هزت أنباء جائحة فيرس كورونا “كوفيد – 19” عدو البشرية العالم بأسره، وتكاد خارطة انتشاره تغطي سائر البلدان فقد أغلقت الدول حدودها وأمرت مواطنيها التزام منازلهم، وأوقفت شركات الطيران حول العالم رحلاتها، وحالات الإصابة في العالم قاربت المليونين اصابه، والرقم مرشح للزيادة يوما بيوم وساعة بساعه، والوكالات الإنسانية تجاهد من اجل توفير الخدمات الحيوية للمصابين حتى باتت أمريكا تتوقع أوقاتا مروعة بما يسببه وباء كورونا حسب البيانات واعداد الإصابات.
وانا في مقالتي لا أبغي الكلام عن جائحة فيرس كورونا وما قيل عنها بين التهويل والحقيقة “ولا تقف بما ليس لك به علم” فقد كثرت الأقاويل والتصريحات ونشرت مقاطع الفيديو عنه وتعليمات تحذيرية وقائية أرسلت في وسائل التواصل الاجتماعي وتصدرت شاشات التلفاز العالمية.
وتعود بي الذاكرة وانا الذي عشت ردحا من الزمن أدب فيها على ارض على وطني وبلدي واستظل بسمائها واعيش من خيراتها فقد عاصرت ردحاً من الزمن انتشرت فيه أمراضاً لم يسمع بها الناس من قبل كأنفلونزا الطيور وانفلونزا الخنازير وغيرها.
كما سمعت أخبارا عن جوائح مرضية مرت على حماه في سالف الزمن، فخذ مثلا اجتاحت المدينة عام 1931 وفي الاربعينات جائحة الكوليرا “الهواء الأصفر” ومات فيها الكثيرون وكانت الصحة تقتحم بيوت المصابين فتأخذ متاعهم وحاجياتهم ولباسهم كله فتحرقها خوفا من العدوى واتقاء لشر انتشار المرض.
ومن الطريف أن الناس كان أكثرهم يسير في الشارع في ذلك الزمان يحمل مقصا او سكينا وترى الواحد منهم يقص او يقطع الهواء ظنا وايمانا منه أنه يقتل المرض ويبعد شره عنه.
وفي عام 1938 اجتاح البلد مرض السل وكان من جرائها أن بنت فرنسا المستعمرة لسوريه ذاك الزمان حوالي 1940 مستشفى لمكافحة السل لكل السوريين في البلاد في القدموس، وقد دعم في ذلك أديب الشيشكلي وقتذاك ووسع المشفى وذلك لموقعها المميز وهوائها العليل الشافي، ثم احدثت المستوصفات لمكافحة السل، واذكر منها مستوصفا كان في المحطة ثم انتقل ومازال حاليا في موقع من اول منطقة الشريعة.
كما تفشى مرض التراخوما والزحار بين الحمويين حوالي عام 1951 جراء شربهم ماء العاصي الملوث، وكانوا يداوون المرض بقطرة كان لونها اسود ويغسلون عيونهم بماء الشاي ويدهنونها بمرهم البوريك، وقد خف المرض وانحسر كثيرا بعد ان شربت حماه من مياه المصافي التي أنشئت وجرت لحماه بسواقي الري التي انشأتها فرنسا والتي كانت تستجر مياهها من بحيرة قطينه لري الأراضي على مسارها بين حمص وحماه.
وكان للمهندس صادق بارودي فضل كبير يذلك فقد وضع المخططات لاستجرار مياه العاصي من الحدود اللبنانية الى حماه، وهو صاحب الفضل بذلك مع المرحوم دكتور عبد الرزاق الشققي، وما كان للمشروع ان يرى طريقه للنور الا عام 1971 حين زار الرئيس حافظ الأسد حماة لأول مرة بعد الحركة التصحيحية واجتماعه مع الأهالي الذين طلبوا منه انجاز المشروع، ذلك ان الحكومات السابقة لم يكن لديها الاعتماد الكافي وقد وافق الرئيس على الفور.
وفي عام 1959 انتشر بحماه مرض الجرب والقرع، وكان للدكتور محمود الريس فضل كبير بالتصدي للمرض فقد جلب جهاز اشعة لهذا الغرض، وكان الأول بحماه واظن في سوريه حيث كانت المرضى تتوافد اليه من سائر المحافظات، وكان إنسانيا يداوي الفقراء بالمجان.
اذكر صغيرا حين وفد لحماة مرض “الأنفلونزا ” وكانت العوام يسمونه “انف العنزة ” حيث يسبب سيلان الأنف ودمع العين وكانت الناس تسمع بأمراض تسببها الجراثيم مثل هامة الجرب او عصيات السل اما امراض تسببها فيروسات فقد كانت جديدة عليهم وتدب الرعب بين الناس مخافة الموت.
وكان من أطباء حماه ذاك الزمان المرحوم دكتور وجيه بارودي ومنير الأسود ومسلم وعلي ونجيب عبد الرزاق وعبد اللطيف شقفه وغيرهم كثر لا تسعفني الذاكرة فقد هبوا جميعا وساعدوا المرضى والفقراء وبكل إنسانية.
كانت الناس في ذاك الزمان الغابر الزمن الجميل زمن الطيبة ومحبتهم لبعضهم ومخافة الله والايمان مزروع في قلوبهم وخيرات الأرض كانت كافية تطعم الجميع، فقد كانوا في مسيرة حياتهم متواكلين على الله في شتى مناحي حياتهم ومظاهر النظافة لافتة بين الناس كارتياد الحمامات العامة وبكثرة تقريبا في كل أسبوع ونظافة البيوت من الداخل.
اذكر كيف ننضح ماء البئر “بالطرمبة” وتسفحها امي على ارض البيوت والدار كيف كانت تفرك حتى عتبات البيت بالكاز ومادة القطرونه فتلمع كالرخام .. وكيف ينشرون اللحف والفرش والسجاد والحصر تحت اشعة الشمس كل يومين او ثلاثة .. وكيف يغسلون صوف الفراش .. وكيف تجلي الصحون والطناجر بالصابون ورماد التنور ثم تغسلهم وتجففهم تحت اشعة الشمس .. وكيف كانت البلدية تشطف الشوارع برشاش الماء وينظف كل صاحب محل امام محله عادة وصورا منقوشة في الذاكرة لا تمحي مع الزمن.
أذكر صغيرا كيف يطلب مني جدي ان اقطف له ورق شجر الكينا واراه يضعه
في طنجرة نحاسية يغلي ماؤها فوق مدفأة على الحطب فينتشر بخار الكينا سائر البيت وبذلك يطهر الجو، ثم كانوا يتنشقون بخار البابونج للمصاب بالزكام .. قصص وسير تطول.
ولن اتطرق الى طب العطارين ومن اشتهر منهم بالطب الشعبي ومن اشتهر بمعالجة الكسور وتطبيب لوزات الفم والدمامل والتهاب الجلد ووجع الراس والصداع و.. و.. فالقائمة تطول وحديث يمتد.
كان رائد الشفاء الأخذ بالأسباب أولا ومراجعة الطبيب ثم الاتكال على الله وقراءة المشايخ والمبروكين للقرآن للمريض والدعاء والتضرع الى الله.
أكتب وان عشت ردحا من الزمن الجميل أعود وانبش من الذاكرة وأتذكر الا أنني ما زلت ابن هذا العصر عشت أحداثه أيضا وشهدت تقدم التكنولوجيا وكل ما يصنع لرفاهية الانسان وراحته، الا أنني اجزم ان انسان الماضي كان اكثر حرصا على النظافه لحرصه تنفيذ تعليمات دينه في نظافة البدن والخلق واليد ومخافه الله وتوكله عليه.
سقا الله تلك الأيام وجنبنا واياكم الأمراض
_
اعداد: محمد مخلص حمشو
مع جزيل الشكر للصديق الاديب المحامي معتز برازي الذي قدم معلومات هامة ضمن هذا المقال