الميتاشِعرية في قصيدةِ “الشَّاعرة” للشاعرة ثناء علي أحمد بقلم الأستاذ الدكتور: الياس خلف


نقفُ في هذه العُجالةِ على قصيدةٍ “الشاعرة” للشَّاعرة: ثناء علي أحمد،وردت في مجموعة أسمتها (اللَّونُ الأحمر) وخيرُ سبيلٍ لاستنباطِ مواطن جمال هذه القصيدةِ، يتجلَّى في تسليطِ الأضواء النَّقدية على رُؤاها الشِّعرية، ومكوناتِها الإبداعيةِ.تتسمُ شاعريةُ الشَّاعرة: ثناء أحمد برومانسيةٍ تلقائيةٍ، إذ تنهجُ نهجَ الشُّعراء الرُّومانسيين البريطانيين من أمثالِ وليام وردزورث و س.ت. كولريدج، اللذين وضَعا حجرَ الأساسِ للمدرسةِ الرُّومانسية في الشِّعر بوصفها أحاسيس صادقة، دفينة، تتدفقُ على نحو تلقائي في لحظاتِ بوحٍ وجداني، وليدة هدوءٍ وتأملٍ عميقين.وتجدرُ الإشارةُ هنا إلى أنَّ شاعرتَنا المُبدعة، تُوظِّف أدوات الميتاشعرية، وأغراضَها التي تدلُّ على آلياتِ صناعةِ الشِّعر وقرضهِ، فالمحبوبُ يغدو مُلهم القصيدةِ وبَاعثها:” يُلقبونني يا سيَّدي بالشَّاعرةعذراً..لا يعلمون بأنَّك أنت ياحبييبي الشِّعر !!وأنت من ينظم!!عذراً..هُم لا يعلمونَ أنَّك مُلهمِي!!”إذاً فالحبيبُ هو الشِّعر ذاته لأنَّه مُلهمهُ ومَصدرهُ.فهو من أجَّجَ شرارةَ الإبداعِ في خيال شاعرتِنا الثَّري، الذي يكتسبُ قوتهُ من صورةِ الحَبيبِ التي تُحفزُ ملكاتِها الشَّاعرية.وتؤكدُ شاعرتنا أنَّ هذا المحبوبَ هو ينبوعُ شِعريتها، فلولاه لما استطاعت حشدَ أدواتِها: المحبرة، والمداد، والحروف، والدّفتر “مَحابرِي مدادها من سَواقيك وحروفي عزف من أغانيك هم لا يعلمون.. بأن همساتِك قافيتي ورموش عينيك أقلامي وعيناك هما الدَّفتر!!

فكيف لا سيَّدي؟!!لا أنظم الشِّعر وبه أتبختر وكيف بوجودك..الشعر لا يكبر!!”.تتراءى هنا ذروة الميتاشعرية؛ فالحبيبُ هو مبعثُ الأحاسيس التي تتفجرُ شعراً، ينبثقُ من وجدانِ شاعرتنا، فتبوحُ بوحاً صادقاً لا مثيلَ له، وهنا تفصح شاعرتنا عن أدواتِها، من محبرة، ومداد، ويراع، وقافية، ودفتر، لتصوغَ أغانيهِ وهمساتهِ في ظِلالِ ومضاتٍ شِعريةٍ شَفيفةٍ، مبنى ومعنى فتَتبخترُ وتَبتهجُ، لأنَّها عبَّرت عمَّا يجولُ في ثنايا روحِها تعبيراً صَادقاً وبديعاً.يدلُّ تَبخترُ شَاعرتنا بقصيدتِها هذه على نَشوتِها؛ فالشِّعرُ لحظةُ لذةٍ وانتصارٍ، لأنَّهُ ذاتها وحياتها، فمن الشِّعرِ الصَّادق تَستمدُّ شاعرتُنا كينونتَها، ومن ينابيعهِ تصقلُ مواهبَها ومهاراتِها الفنية.وأتخيرُ أن أختمَ هذه العُجالةَ بتأكيد مناسبة العنوان: (اللون الأحمر) لمجموعتها هذه، فهذا اللون بعينهِ يُشيرُ إلى الحبِّ بشتى ضُروبهِ:حُبُّ الحَبيبِ، وحُبُّ الشِّعرِ، وحُبُّ الذَّاتِ المُبدعةِ، وحُبُّ الحياةِ على نحوٍ عام .وبإيجازٍ شديدٍ، أودُّ التَّأكيد أنَّ اللّونَ الأحمر ما هو إلا علامة سيميائية مميزة لهذه الومضات الشِّعرية الوجدانية؛ إذ تَشي بتماهي الشَّكل( اللون والكلمة، والصورة) والمضمون (الحبِّ بأسمى أشكالهِ، وأبهى مظاهره) تماهياً لا حدودَ لهُ وها هنا موطنُ جمالِ هذهِ الزَّفرات الشُّعورية والشِّعرية.تحية طيبة لشاعرتنا المبدعة وسَتكونُ لنا وقفات قادمة، لنسبرَ أغوارَ ذاتِها الغنيةِ بالومضاتِ الشِّعريةِ المُنقطعةِ النَّظير.

المزيد...
آخر الأخبار