الفنان التشكيلي حبيب نجار – سجل حافل من الابداع ينتصر للانسان – اللوحة كائن حي.واي حدث هو عاصفة لونية في نسيج الوجود .

مواليد محردة ١٩٦١ لعائلة كبيرة ثمانية إخوة وأب وأم
وعائلة أكبر هي القرية في ذلك الحين وكجزء من وطن يحتضن ثقافة وإنسان وأرض مشبّعة بعبق من حضارات عمرها عمر التأريخ وربما سبقته في الوجود و تظلله سماء سرمدية تباركه منذ الأزل…
كانت القرية الريفية جزءا من نسيج غني جدا منبسط على مساحات شاسعة منسوج بشتى ألوان الحياة وأطياف الثقافات ومعالم الوجود الإنساني..
وبهذه الروابط الضاربة في عمق التاريخ بين الإنسان والأرض والسماء والثقافات الغنية في تنوعها..
كانت القرية أسرة مترابطة متجانسة تتشارك بساطة المكان والزمان وشعور الانتماء لكل شيء والإحساس العميق بالآخر…
تشرب منذ طفولته ألوان الحياة الريفية البسيطة والثقافة الشعبية لهذا المكان ولتلك المرحلة الزمنية…
عايش هموم ذلك المجتمع وأفراحه وأحلامه و طقوسه وكل مظاهر الحياة اليومية فيه بإحساس عميق ومرهف والتقط تلك اللحظات وتلك الأماكن بعين فنان مترنم بجمال كل شيء حوله حافظا إياها في ذاكرته البصرية وذاكرته الشعورية..
لتكون فيما بعد خامة تشكيلية ولونية يعبر من خلالها عن هواجس الإنسان في مجتمعنا و عصرنا الحالي
وذلك باصطناعه حوارا لطيفا ودودا بين الماضي والحاضر..
باحثا عن السكينة في زمن الضجيج وعن الأمان في زمن الخوف..فيستحضر روابط الألفة في زمن الأنانية..ويبحث عن المعاني في زمن العبثية..
جاعلا من الانسجام بين الإنسان والطبيعة هدفا له ومن ظواهر ومعالم كل زمن ومرحلة تجاربا وخبرات..
وهدفه الأسمى في كل هذا هو الإنسان..
الإنسان في جوهره وعمقه وفي تصالحه مع ذاته ومحيطه…
فبعد أن تغير وجه الأرض وتسارع الزمن بشكل جنوني..كان الإنسان يفقد و بكل لحظة جزءا من ذاته وكمّا من شعوره…
وفي تلك المرحلة التي يستحضرها دائما كانت هواجس الإنسان تنصب في هاجس جمعي مشترك وأفراح الإنسان وأحزانه هي أفراح وأحزان مشتركة يعيشها كل أفراد المجتمع كعائلة واحدة..وبسبب هذه الشفافية استطاع الفنان أن يعبر الجدران والأجساد ليلامس الأعماق والمعاني والنوايا الطيبة الصافية لكل إنسان وبيت وجمعة أناس تعمل أوتتسامر أوتحتفل أوتتشارك همومها وتواسي بعضها بصدق.
وكان لثقافته البصرية التي اكتسبها في ذلك الوقت بالغ الأثر في تكوين لوحاته وأعماله النحتية..
فلم تغب الأرض والصخور والمياه والأشجار عن لوحاته في أي فصل من الفصول والمواسم..
والبيدر هو العرس المشترك في موسم الحصاد وعناقيد الكروم الطيبة و الأسماك هي رزق وبركة ووفرة..
كما أن حضور الزي الشعبي للقرية هو الأب و الأم وراحتي يديهما المطيبتين برائحة التراب الأحمر ورائحة الحطب وخبز التنور..
تحدثنا أعماله عن طبيعة البيوت وأشكالها وعن جدران وأسقف تستند على أكتاف بعضها البعض كرفاق يسيرون جنبا إلى جنب..
تأخذنا أعماله في تشعب الحارات والأزقة نصعد ونهبط عند درج كل بيت نحييه..نصعد سلالم نتأمل القرية من على سطح بيت نلمح أدراج قبو المؤونة أو مدخل مغارة عمرها مئات السنين أو آلاف السنين لا أحد يدري عاش فيها الناس تحميهم وتقيهم وتحفظ طعامهم…
نسمع صوت مياه تجري في نهر العاصي ونسمع صوت الطيور في واديه..نشعر أنه الشريان النابض لكل هذه الحياة..ونشاهد ذكريات تسكن كل متر من ضفافه وكل خطوة على الطرق المدقوقة والمنحدرات التي توصل إليه..
إن حنينه دائم إلى الحياة البسيطة…
تلك الحياة المحببة إلى قلبه بعيدا عن الازدحام والضجيج الذي يعيشه الإنسان المعاصر والذي لطالما ترافق بشعور اغتراب نفسي مؤلم وموحش ومتعب..
وقد تجلى ذلك الحنين في كل أعماله فالشخوص تتشارك وتتبادل وتتفاعل بعمق كل من المكان والزمان بكل مفرداته وحضوره وتشكيلاته البصرية وروابطه اللونية المنسجمة…
حتى إن البيت والإنسان والأرض والشجر لهم نواة لونية مشتركة فلا تشعر بتلك الحدود وتلك الفوارق الشاسعة بين الموجودات…وكأن اللوحة بكل عناصرها الطبيعية والإنسانية هي كائن حي واحد أو كائن متصل ومتواصل ذو رابطة دم عميقة وروابط عصبية وحسية مرهفة..
فربما تظهر في لوحاته القرية كجسد يتغذى من شريان في باطن الأرض أو شجرة عميقة الجذور..أو ربما تظهر كأم مقدسة تفتح ذراعيها لتحيط كل شيء بحمايتها ورعايتها..
أو كحضن دافئ لأم تحنو فوق أطفالها..
وكان لانشغاله عدة سنوات في رسم الأيقونة البيزنطية وإتقانه هذا الفن ذلك الأثر الرمزي في لوحاته وأعماله النحتية…فقد وظف هذا الفن بكل أمانة في بحثه الدائم في عمق وجوهر الأشياء كالطبيعة والإنسان والحياة..
كما كان للتعبير حضوره الدائم والمميز في كل لوحاته..
وفي مرحلة الحصار و الحرب التي عاشتها بلاده و مدينته…
طعنت جروح الحرب قلبه وأدمت أحاسيسه وأصبح لريشته صرخات ألم وقهر وحزن كبير تبوح بها ألوانه وعناصر التشكيل في لوحاته ،فالضبابية ولدتها ألسنة اللهب والصخب…والقلق والخوف قد بان على وجوه أشخاصه لكنه 

خوف وحزن مع رجاء وقلق بانتظار بشارة..فبرغم كل هذا وفي وسط كل هذه النيران والآلام والأحزان…
سعى جاهدا ل

يجسد تلك الروح المعزية النقية الصافية..التي لم ينقطع تواصله معها يوما..
فلطالما كانت ابتسامة أو دمعة أو راحة كف تبارك وتغسل الأسى أو حضن أو شعاع نور آت من وراء الركام والدخان…
هكذا يكتمل تكوين اللوحة عند الفنان حبيب نجار بصريا و تشكيليا معنويا وروحيا…
وأي حدث كان ومهما كان هوله ففي لوحاته هو عاصفة لونية منضبطة ومحدودة الأثر في نسيج الوجود المتوازن لديه…
سوزان حميش

المزيد...
آخر الأخبار