قصة قصيرة. بعد غياب ..

عاد من غربته بعد غياب طويل شاركه شبابه…عاد وأحلام عذاب تداعب خياله..
لقد اشتاق لأهله… لحبيبته..‏
وصل بلده.. دخل بيته.. استلقى على سريره… تطلع إلى جدران الغرفة، إنها كما هي مزدانة بلوحاته ورسومه…‏
فتح خزانته وأخرج لوحة جميلة لحبيبته كان قد رسمها بريشته قبل سفره.. وضعها على الطاولة … نظر إلى الصورة ملياً.. مرت سنون لم يرها ومنذ فترة انقطعت أخبارها…‏
إذن لابد من السؤال عنها.. لقد اشتاق إليها..إنها ابنة الحارة.. تربيا معاً، وعاشا جارين لا يفصل بين الدارين إلا جدار، درسا في مدرسة واحدة تقاسما عروسة الزعتر وأكلا معاً في طبق واحد..‏
كانت الأسرتان أكثر من أهل، وعندما كبرت وطالت ضفائرها وعدها بأنه لن يتركها وسوف تكون عروسه..‏
نهض مسرعاً.. تطلع إلى المرآة المعلقة على الجدار سبع سنوات من الغربة.. لقد كبر وتغير وتساءل:‏
-هل ستعرفني عندما تراني..؟ بعض التجاعيد استقرت على وجهي هذا لا يهم سببه الإرهاق والتعب. وهنا شعرات بيضاء تناثرت فوق رأسي لا.لا.. هذه ليست قضية سوف أبحث عنها.. وألتقي بها.‏
سأل والدته عن جيرانه الأعزاء قالت له:‏
-لقد رحلوا من هنا منذ زمن بعيد إلى حي جديد في المدينة ولم يعلموا عنهم شيئاً .‏
صمت وتمتم بينه وبين نفسه… (إذن لابد من البحث عنها).‏
في الصباح الباكر خرج قاصداً الحي الجديد، سأل عنهم لا أحد يعرفهم، المدينة كبيرة وأحياؤها واسعة ينتقل كل يوم من شارع لآخر يسأل… ومن بناء لبناء..‏
ذات يوم مر قرب بناء ضخم كان يغص بالشرفات والنوافذ. لاحت منه التفاتة لنافذة قريبة من الشارع كانت مفتوحة.. لقد رآها..‏
صاح من أعماقه..‏
إنها هي … نعم هي … هذا هو منزلها….‏
همّ بالدخول والسؤال عنها.. لكنه توقف .. نظر لهندامه .. لا… لا.. في الغد سوف آتي، هندامي وشكلي لا يليقان..‏
وفي اليوم التالي.. أتى أحلام وآمال تتناغم في مخيلته، ماذا يقول لها عندما يلقاها..؟‏
لقد انتظرته كثيراً ..بكل تأكيد.. لكنه كان مقصراً لم يسأل عنها.. ولم يراسلها.. أبداً ،لكن سكنت قلبه منذ كانت برعماً صغيراً وحتى صارت زهرة فواحة…‏
لا بد من الوصول إليها قبل كل شيء..‏
اقترب من مدخل العمارة .. نظر للنافذة هذا هو المنزل.. لكنه تردد.. تذكّر قبل أن يدخل لقد أتى ولم يحضر معه هدية.. لا.. هذا مستحيل، هذه ليست عادته، ماذا تقول عنه؟‏
إنها تعرفه .. رجل شهم ومعطاء..‏
نظر إلى ساعته.. الوقت متأخر غداً سوف أحضر صباحاً وأحضر لها الهدية.. إنها تحب الزهور سوف أحضر لها أجمل الزهور وأقدمها لها…‏
وفي الغد.. مشى إليها سار بخطا سريعة.. هندامه أنيق ويحمل الزهور التي تحبها.. رفع رأسه للنافذة المطلة على الشارع كانت تقف كما رآها.. وتركها صبية حلوة.. جميلة..‏
قال:‏
إنها هي.. تبتسم منتظرة قدومي.. لقد أتيت إليك أيتها الحبيبة…!‏
إنك رائعة كما تركتك.‏
صعد الدرج وخطاه تسابق وجيب قلبه,, وصل المنزل.. رن جرس الباب بيد باردة كالثلج وهمس في داخله..‏
لماذا اعترتني هذه البرودة..؟ لماذا قلبي يخفق بلا إرادة..؟ هل ألقاها وتفتح هي الباب..؟.. ماذا أقول لها..؟ هل تعرفني..؟ من سلامي..؟ من كلامي..؟‏
من نظراتي..؟ هل مازالت تذكرني..؟ أسئلة كثيرة أرهقته قبل أن يفتح الباب….‏
فتحت الباب طفلة صغيرة.. تطلع إليها شعر أنها أقرب المقربين إليه..‏
قال لها:‏
ما اسمك يا صغيرة..؟‏
وقبل أن تجيبه سمع صوت امرأة…‏
من في الباب يا سناء؟ مع من تتحدثين؟‏
إنه رجل يحمل الزهور جدتي…‏
اقتربت المرأة من الباب وسألته..؟‏
من أنت..؟ معذرة بني لم أعرفك..؟‏
أنا أحمد.. جاركم في الحي القديم..ألم تتذكريني؟ نحن جيرانكم أليس هذا منزل هدى..؟ أليست هنا لقد لمحتها تقف خلف النافذة..‏
قاطعته قائلة:‏
أجل.. وهذه ابنتها.. تعال ادخل أهلاً بك…‏
أدخلته إلى غرفة الصالون كانت أمامه مباشرة النافذة المطلة على الشارع وصورة حبيبته مقابل زجاج النافذة، نظر إلى الصورة وأسئلة كثيرة يود أن يسألها..‏
ترى أين هدى..؟ ولماذا تزوجت..؟ ومتى كان ذلك…و…و…وبينما هو ينظر إلى الصورة وبين الحيرة والشك.. دخلت الطفلة وبيدها باقة الزهور…‏
جدتي.. تعالي اليوم نأخذ هذه الزهور ونضعها على قبر أمي..‏
انتفض واقفاً وقال:‏
ماذا…؟‏
هل…؟‏
قاطعته المرأة..أجل يا بني ماتت بعد ولادة ابنتها بأيام .
*رامية الملوحي*

المزيد...
آخر الأخبار