جديد الشاعرة أجفان رزوق : قراءة في ومضة ( دوام الموت ) أ. د. الياس خلف

بداية أود التأكيد أن هذه الومضة الشعرية تنضوي تحت لواء شعر المقابر البريطاني الذي شاع في القرن السابع والثامن عشر ؛ فشعراء هذا التيار الشعري نظروا في مآسي الحروب،فوجدوا أن الحياة غدت قاتمة،فدياجير الموت تحيط بها من كل حدب وصوب،ولم يعد هناك بصيص أمل البتة .
ثم جاء الشعراء العبثيون بعد الحربين الكونيتين اللتين أودتا بحياة العديد من العزل المساكين الذين لا ذنب ولا حول ولا قوة لهم ،فراح الشاعر البريطاني جون إيمرسون يقول بلسان يتلعثم، على حد وصفه:
تتساقط الجثث كتساقط أوراق الخريف؛
لكن يا للهول !فأوراق الخريف صفراء وميتة
أما أولئك الأبرياء فمعظمهم في ريعان الشباب..
ورونق الحياة..
أين ؟؟ أين ؟؟ أين الضمير الإنساني؟
تُرى ؟ من أجاز قتل الروح الإنسانية ؟
تُرى ؟ من أجاز سفك الدماء؟ وبتر الأعضاء ؟
ومن شرع هذا القتل السافر ؟
هذا حرام ! هذا حرام !هذا حرام!
فجميع الشرائع والقيم الإنسانية
لا تحض على القتل بل تدينه، وتدينه بأشد العبارات
أين التسامح ؟ وأين السلام ؟
أين المودة ؟ وأين التعايش؟..
فالسلام والتسامح والمودة طريقنا إلى
المستقبل ، إلى الإنسانية المثالية !!!

وهاهي شاعرتنا أجفان رزوق تستنكر القتل وسفك الدماء من حولها ،فروحها الرومانسية المثالية تدعو إلى السلام والتسامح والمودة ، ترفض شاعرتنا الدعوة إلى حياة ملأى بالموت والمآسي فتقول :
لا تَدْعُني إلى الحياة الجديدة
فالموت له دوام بين لحظاتنا..!
لأن الموت قتل آلاء الطبيعة البديعة الجمال ، ودمَّر أواصر العلاقات الإنسانية السامية :
هناك أشجار تعفنت، وبيوت تهدمت …
وحاراتنا مزدحمة بالذكريات
تضعضعت حتى انهارت في معاركنا الطاحنة..!
وتؤكد رفضها لهذه الحياة المأساوية ، فتفصح عن تأسّيها :
لا تدعني إلى الحياة الرغيدة
فالرفاه أصبح من الحكايات القديمة في أيامنا ..
وتتأسف عن نعم الطبيعة الساحرة قد ماتت وأن الصدق قد رحل بلا عودة ، وحل محله النفاق السافر :
أسفي على أزهار تموت ،وفراشات تحترق !
معانينا بلغت حد النفاق
وكلماتنا المحترقة ككذب ألستنا ،
وأجسادنا تسأل على العقل في كياننا
وما من جواب .. !
تلهج شاعرتنا بلسان هدته كوارث الحرب، فتستغرب قائلة :
لم أعرف قبل الآن حرباً
تعدت نطاق القتل ، ثم أحرقت أصابع الكبرياء
وشوهت وجه الإنسانية ثم رمت عود الثقاب ..
وخبأت علبة الكبريت في الخزنة كتحفة فنية ..!
لذا نراها تبكي مآسي الطبيعة و الإنسانية :
هنالك عصافير تشردت ،
وابتسامات شنقت
وطموحنا تزعزع
..!
حتى بركة منزلنا الزرقاء السارة اضطربت .!
بيد أن بارقة الأمل وبصيص الحياة تلوح أمام ناظريها اليائسين ، فتبدد ظلمة الواقع المعيش فتسترسل حلم جميل ، يقودها إلى الماضي الذهبي حيث شاعت المحبة والقيم المثلى : التسامح والسلام ، فنعم بنو آدم بحياة حقة .
أجل إنها تحلم بالماضي الذي سينقلها إلى مستقبل مليء بالنعيم والسعادة :
الماضي هو لحننا الأزلي وكياننا الأبدي..
نحن لولاه ما كنا جيلاً للباقي ..
ووعداً من أطفال يرسمون عهد التآخي:
أن لقاء معك
أي عصر النهضة الكبرى
وبإيجاز شديد ، هذه الومضة الشعرية ما هي إلا وثبة روح رومانسية ضاقت ذرعاً بالشجون الإنسانية ، فرفرفت في سماء الماضي علّه يعود بهاؤه وألقه، فتنهض البشرية من غفلتهاوتتمسك بتلابيب الفضائل والمثل الإنسانية ،وتعود الحياة إلى عصرها العتيق .

المزيد...
آخر الأخبار