قراءة في مونولوجات الأديبة دلال أديب *أ.د. الياس خلف

الأديبة دلال قضت جل عمرها المهني تبني معشر الطلبة بناء يجعلهم القدوة الصالحة في المجتمع ؛ لأنها تميزت بشخصية شغيفة لاتعرف سوى المودة والتفاني في عملها الذي ترى فيه رسالة سامية ترمي إلى بناء الإنسان بوصفه اللبنة الأساس في البنيان الاجتماعي. بيد أن مواهبها ومقدراتها الإبداعية لم تقتصر على التربية والتعليم فحسب، بل تجلت في كتاباتها التي تنبض بروحها الرومانسية السامية التي تحلق في فضاءات مثالية حيث القيم الإنسانية الفاضلة.
تتخذ إبداعات الأديبة دلال أديب طابع المونولوج ، ومعلوم أن هذا النوع الأدبي هو خاطرة وجدانية ؛ فالمبدع يبدع بآلامه وآماله وبكل مايختلج في روحه الظمأى ومذكرات الأدباء التي سطّروها في لحظات الابتهاج العارم أو التصبّر الكبير.
وأولى خواطرها ، في هذه العجالة ، هي ” فضفضة” ، ومن الجلي أن عنوانها يوحي أن مبدعتها تبغي الترويح عن نفسها ؛إذ تتساءل :
… لماذا لا أفرح بعنف مثلما أحزن بعنف؟
لماذا تضيع مني لحظات الفرح فلا أعطيها حقها منه؟
لماذا كلما شعرت بالسعادة، تذكرت الذكريات الحزينة التي مررت بها في حياتي…؟
بيد أن أمارات الأمل تلوح في روحها ؛ فالصبح … قد أشرق
والشمس أضاءت كل الأماكن،
والطير فوق غصن الورد غرد …
وما الصبح والشمس والطير إلا علامات تجدد الحياة واستمراريتها.
وهذا مايجعلها تتناسى ” الحزن الثقيل…الجاثم بين الضلوع” الذي يتغلغل في ثنايا الروح ، وتنطلق فتحرر نفسها عن كابوس “الحزن والكآبة”:
دعني للفرح أسافر،
فالقلب حنَّ لنبضه،
والروح قد تاقت للسعادة والبشائر.
وثمة مونولوج آخر سمّتِه ب( ظلمة اليأس) ،ففيه تعلق انتصارها على كابوس اليأس:
وافترقنا !!!ونسيت خوفي كله في لحظة وأشرق بشروق صديقتي في نفسي أمل!!!
وارتسمت على وجهي ابتسامة.. وتساءلت:
كيف لي أن أبقى رهينة ليل مظلم والكون تضيئه شمس مشرقة؟؟!
أيعقل أن أبقى حبيسة نفسي يائسة…؟؟!!
وتبزغ شمس الأمل في روحها، وتتشبث بعزيمتها القوية لتواجه ظلمة اليأس ،فتقول والتفاؤل يحدوها:
أبداً ماخلقنا لنيأس مهما حاولت كسرنا الحياة، هي تفعل ماتشاء ، ونحن نقاوم ونتحدى ونخوض غمارها، وعلى شرفتها نقف مطمئنين متفائلين، وإن طال الوقوف ؛ فالأمل أطول واليقين والثقة بالله حبل طويل ممتد لاينقطع ، ورجاؤنا بمن خلقنا كبير…
تعلق الأديبة دلال أديب رفضها للإذعان لغير اليأس والكآبة و مرارتها اللتين لا تُطاقان، على نحو رمزي ومجازي دقيق؛ فهي تسمّي نفسها ب( صديقة الشمس) ؛ ومن نافلة القول هنا إن الشمس رمز للنور والحقيقة، ونبراس للتجدد . وتسمية بعض مونولوجاتها ب ( تغريدة الصبح) تسهم في ترسيخ رسالتها التوجيهية هنا؛ فكلماتها بمنزلة ألحان الأطيار العذبة التي تضفي على الكون جمالياته بموسيقاها السلسة . وهنا يجدر التأكيد أن هذه الخواطر الوجدانية تشكل رحلة نفسية من مرارة شظف الحياة القاسية إلى هناءة الروح التي تتسامى عن الدنايا والصغائر، فتحلق في سماء الفضائل والقيم النبيلة. وبإيجاز شديد ، هذه المونولوجات دعوة حميمة لتحطيم إسار الأسى والتمسك بالحياة:
فلتعبثي بنا أيتها الحياة ،ولتفعلي ماشئت فلن
يثنينا عن الاستمرار شيء.

المزيد...
آخر الأخبار