قصة قصيرة. زمن من الطفولة . *رامية الملوحي

عاد من عمله مسرعاً . . دخل غرفته أمسك هاتفه (الجوال) . . هناك اتصال هام ينتظره منذ زمن
ـ ألو .. من ؟
كان الصوت صوت أنثى يبدو عليها الرقة واللطف
ـ أنت ( أيمن ) . . ؟
كرر التساؤل .. ؟ !!
من أنت ؟ .. نعم أنا ( أيمن ).
أنا ( إيمان ) أنت وضعت صورتك و اسمك على صفحة الفيسبوك تريد التعرف على والدتك ..!
نعم أنا لقد بحثت عن أمي كثيراً ولم أعثر على عنوان لها لم أجد وسيلة إلا هذه .- لقد وصلت يا ( أيمن ) !. أمك تريد أن تراك تعال نحن ننتظرك ، نحن الآن في مدينة واحدة منذ شهر عدنا للوطن بعد وفاة والدي .
قاطعها بالحديث ..
ـ ساعة وأكون عندكم أرسلي العنوان .!!
أغلق الهاتف . الدنيا لم تعد تسعه والمنزل ضاق به.
بعد ساعة سوف يتحقق حلم عشرين عاماً .. سوف يلقاها .. ما أصغرك أيها العالم أنا وأمي في مدينة واحدة .أراها سعيدة الآن ، سعيدة جداً إنها في بلدها وسوف تراني وتلتقي بي ، أنا لا أذكر إلا اسمها وصوتها يتردد على مسامعي بصوت هادئ جداً عندما كانت تقول لي مساء : نم باكراً يا صغيري كي لا تتأخر على المدرسة لقد نسيت وجهها .. و لون شعرها و عينيها و لون بشرتها . إن ذاكرتي تحتفظ برسم بسيط لها أذكر أشياء بسيطة جداً مازالت تسكن ذاكرتي أزهار البنفسج والورد الجوري التي كانت تزهر في أحواض منزلنا في أوائل الربيع كانت أمي تمسك زهرة بنفسج وقد فاح عبيرها ثم تقترب من والدي وهو يحتسي فنجان قهوته عند الصباح :
ـ انظر (أبو أيمن) ما أجمل الزهور يبتسم ابتسامته الحلوة ويشكرها ثم يأخذ الزهور من يدها
أرى هذه الذكريات رموز حلم أجمعه في مخيلتي وكأنه اليوم .
بيتنا كان رائعاً بوجود أمي وأبي كنا أسرة صغيرة تعيش بود ووئام كان ذلك قبل وفاة والدي ، وبهذا البيت امتزجت روحي به امتزاجاً لا انفكاك له أبداً. و بعد وفاة والدي افترقنا كل ما أذكره معاناة أمي بمرض والدي الذي طال أمده باعت كل مالديها من (حلي) وباعت ( الدكان )التي كان يملكها فقرر والدها أن يزوجها وبيتنا صار في عهدة عمي .
كان يوم لا أنساه أبداً.. يوم أخذتني أمي وأدخلتني (الميتم ) وهذا أمر لابد منه لمتابعة تعليمي ، كان عمري سبع سنوات لقد دثرنا نحن الاثنين صمت كئيب كنت أنظر إلى أمي فأراها تمسح دموعها وصلنا إلى حيث اتجهنا وقفت قبل أن ندخل وقالت لي وهي تعانقني وتبكي :
– ( أيمن ) حبيبي هذا بيتك الثاني ستقيم فيه وتتابع تعليمك لتصبح مدرساً عظيماً سوف أراك رجلاً له مكانة إن شاء الله .
وقبل أن تذهب أمسكت بيدها وشددت عليها ورجوتها ألا تتركني بكيت كثيراً ، وشعرت بالغربة وكأني خارج هذا العالم . أنا بعيد . . بعيد جداً عن أمي وعن أهلي ورفاق حارتي . كنت أزور أمي أيام العطلة وكم أشعر بالحزن والأسى عندما تنتهي العطلة آه كم كنت أحب بيتي والحديقة الصغيرة التي تحيط به.
انقطعت أمي عن زيارتي مدة ، وتفاجأت بزيارة عمي كان يأخذني لأزوره في العطلة الصيفية كم كان صوته خشناً ونبراته قاسية على مسامعي قال لي : اسمع يابني أنا المسؤول عنك وسوف أزورك وتزورني بيتي هو بيتك . أنت ابن أخي كن مهذباً دائماً أجبته وأنا أشهق بالدمع .. !!لكن أين أمي .. ؟
أمك تزوجت وسافرت إلى بلد بعيد وبيتك ينتظرك حتى تكبر ما رأيك ؟
ومنذ ذاك اليوم افتقدت أمي . لم أعد أرها ، ولم أسمع صوتها تمنيت لو كنت أحتفظ بصورة لها أخفيها في حقيبتي ألصقها على صدري أرسمها على دفتري . ليتني .. !!
أكملت تعليمي وأنا أقيم في ( الميتم ) وببيت عمي إلى أن تخرجت في الجامعة .
ـ نعم إلى أين ذهبت بي يا زمن من الطفولة .. ! كان زمناً لا أنساه أبداً وكان زمناً موجعاً على مسامعي ، عشرون عاماً لم أر فيها أمي .. أمي جرح أشواقي المستحيلة .
وهو في غمرة ذكرياته وحنينه و شوقه لملاقاة أمه رن هاتفه ثانية ( أيمن ) أين أنت ؟ أنا ( إيمان ) نحن ننتظرك .. ؟!
— إني قادم دقائق وأكون عندكم . . إلى بيتي
ستعود أمي إلى بيتنا إنه بيتي ، هنا ملعبي و هذه حديقة منزلي سوف أزرعها من جديد لتزهر .
وصل( أيمن ) إلى العنوان الذي معه رن جرس الباب و برودة المفاجأة وفرحة اللقاء تسري في أعطافه. نقر الباب وبلا شعور يؤكد وصوله وقبل أن يفتح الباب ردد في نفسه :
ـ أنا ( أيمن ) أتيتك أمي افتحي الباب . صوت أمي .. صوت أمي يقترب قليلاً .. قليلاً .. صار واضحاً هذا هو صوتها لن يتغير أبداً.
أسرعت و فتحت الباب امرأة متوسطة في العمر وقورة يكلل شعرها خصلات بيضاء عانقته وقبلته وهي تقول له : بصوت تخنقه العبرات الحمد لله ( أيمن ) التقينا أنا لا أصدق أنك معي وإلى جانبي شاب بهي الطلعة كما توقعتك أن تكون ..
أمسكت يده وأدخلته ( إيمان ) .
تعالي يا للفرحة هذا هو أخوكِ ( أيمن ) أحمد الله أننا اجتمعنا .
*

المزيد...
آخر الأخبار