كتب المفكر والناقد الأدبي عطية مسوح معقبا على كتاب يضم ثلاث مسرحيات بعنوان(قناديل حالمة):
منذ أيّام, أهداني الصديق الكاتب المسرحيّ والمخرج والممثّل تمّام العواني نسخة من كتابه الجديد الصادر عن اتّحاد الكتّاب العرب, وهو بعنوان (قناديل حالمة). يضمّ الكتاب ثلاث مسرحيّات تحمل العناوين التالية: نمر من ورق/ محاكمة شايلوك/ صرخة ديوجين.
قرأت الكتاب مستمتعاً بحكاياته وأسلوبها, وبما تثيره النصوص الثلاثة في ذهن القارئ من تساؤلات حول قضايا فكريّه هامّة.
النصّ الأوّل (نمر من ورق) هو مونودراما بطلها فيّاض, وهو فنّان تشكيليّ, يرسم ويصنع الدمى. حياته مأساة بكل معنى الكلمة, حتى يمكن للقارئ أن يقول بعد قراءتها: لقد قرأت مسرحيّة عنوانها (مأساة فيّاض). تبدأ سلسلة المآسي بفصل هذا الرجل من عمله التدريسيّ لأنّه وقف في وجه العقليّة المتخلّفة التي تزدري الفنّ وتعدّ مادة الرسم التي يدرّسها لطلابه مادة ثانويّة قليلة الأهميّة, ولكنّ تفكيره السليم وعقله الحداثيّ لم يستطيعا النجاح أو الصمود أمام هذا الموقف المتخلّف المدعوم من منظومة الفساد , لتأتي الحلقة الكبرى في سلسلة مآسيه, وهي اختفاء ابنه, وسلوك كنته التي تهمل طفلتها الوحيدة ساعية وراء عشيق جديد, وما أدّى إليه هذا الإهمال من مرض الطفلة وتدهور صحتها وحاجته إلى المال لسدّ تكاليف علاجها.. وهذا ما جعله مضطرّاً للتنازل عن بعض مبادئه الفنّيّة والفكريّة الإنسانيّة والتعامل مع رجل أعمال غنيّ ضعيف الشعور الإنسانيّ, لكنّ ذلك لا يفيده في إنقاذ حياة حفيدته, فتقع كارثة وفاتها, الكارثة التي لم يستطع تحمّلها, فسقط ميتاً بين لوحاته وصناديق مرسمه الملأى بالدمى الجميلة البديعة الألوان. ولعلّ المشهد الأخير – حسب النصّ المسرحيّ – هو أكثر المشاهد رمزيّة وإيحاء, وهو مشهد اللوحات التي تتفاعل مع الموقف, والدمى التي تخرج من الصناديق زاهيةَ الألوان, وهي تسخر من هذا الفنّان الخائب.
لقد تمسّك هذا الفنّان بمبادئه في معركته مع مدير المدرسة وفاسدي الجهاز التعليميّ, فخسر معركته. وتنازل عن مبادئه الفنيّة والفكريّة أمام رجل أعمال من منظومة الفساد, لإنقاذ حفيدته من الموت, فخسر الحفيدة والمبادئ. فكأنّ المسرحيّة تريد أن تقول: الفساد قويّ لدرجة تجعل الفرد غير قادر على مواجهته وإن كان على حقّ, ومنظومة الفساد لا تواجهها إلاّ منظومة مقابلة, لا تواجه بموقف فرديّ بل بنهج مجتمعيّ.
لقد شدّني هذا النصّ المسرحيّ بحبكته المتماسكة, ورشاقة عبارته وعمق مضمونه, وتخيّلتُ نفسي وأنا أتفاعل مع ممثّل قدير عميق الإحساس يؤدّيه على خشبة المسرح أمام جمهور من المتنصتين بأسماعهم وأبصارهم وقلوبهم.
لا يتّسع مجال مقالة فيسبوكيّة قصيرة للحديث عن مسرحيّات الكتاب الثلاث, ولعلّ ضيق المجال يكون من حسن حظ القارئ الذي سيقرأ المسرحيّات ويتذوّقها كما تشاء له ذائقته الفنّيّة.