قصة قصيرة ( مها.. زهرة من غزة ) *رامية الملوحي

*

 

 

 

مها ابنة العاشرة, طالبة مجتهدة .. ذكية, حلمها أن تتفوق وأن تنال أعلى الدرجات.

مها.. تحب أن تلهو مع رفاقها في مزرعة قرب بيتها, تركض كفراشة ربيعية.. من شجرة لشجرة ومن رابية لرابية.. إنها تعيش في ضاحية خضراء.. جميلة قرب مدينة غزة.

 

كانت تسمع أن هناك حصاراً قوياً لبلدها غزة.. وتسمع بين آونة وأخرى أن شهداء وجرحى سقطوا..

هذا اليوم لم يكن كباقي الأيام.. سمعت مها صوتاً هائلاً يدوي لاتعرف من أين أتى, أسرعت واختبأت بين الأشجار وابتعدت عن بيتها.

أضاعت رفاقها, جلست تحت شجرة الليمون, تمنت لو تدثرها أوراقها وأغصانها لتبعدها عن هذا الرعب المفاجئ.

هدأت الغارة, وانتهى القصف .. رفيقاتها الصغيرات استشهدن بشظايا قنابل العدو .. بيتها تهدم .. أمها وأخوتها استشهدوا جميعاً.

أغمضت عينيها من هول المنظر و صرخت..

بكت كثيراً وتساءلت:

ـ لماذا القصف..؟ لماذا إسرائيل تفعل بنا هذا ..؟ لماذا نموت..؟ لم تنزف دماؤنا ..ماذا جرى..!إلى متى..!.

تطلعت حولها.. توقف القصف وهدأ كل شيء لساعات قلائل مخلفاً وراءه شهداء.. وحرائق.. ركام بيوت صراخ أطفال وأمهات..

عادت مها إلى بيتها لكنها ظنت أنها ضلت الطريق .. مها لم تجد بيتها.. ولابيوت الجيران, أشارت بيد مرتجفة مصابة بشظية: هذا هو بيتي..

كان هناك أهلي بداخله , استشهدوا… لم يكن هناك معالم لمنزل.. لم تشاهد غرفتها ونافذتها المطلة على البستان.. لن تسمع بعد اليوم, صوت أمها..

لم تجد والدها , كان يجلس تحت ( دالية العنب) أمام المنزل ويشرب الشاي مع جيرانه..!

إخوتها .. أين هم لم تشاهدهم ولم تسمع ضحكاتهم..!..

لم تجد أرجوحتها المعلقة بجذع شجرة التوت المزروعة أمام المنزل.. وحتى العصافير التي تسكنها قتلت في أعشاشها، بحثت عن قطتها البيضاء تحت الركام, ماتت واحترق جسدها بشظايا صواريخهم تحول منزل مها إلى ركام, لايوجد سقف, ولاجدران, ولا أهل..

جلست على حجر أمام المنزل تبكي بحرارة, للمرة الأولى تعرف مها ماهي الحرب.. بكت بحرقة وتمنت لو أنها كانت معهم لأنهم شهداء, والشهيد مثواه الجنة.. سمعت خطوات رجال وصوت محرك سيارة, توقفت قربها تطلعت خائفة وركضت.

جاء صوت أحد رجال الإسعاف..

ـ لاتجزعي ياصغيرة ! نحن رجال الإسعاف.. نحن أهلكِ , تعالي إلى المشفى جرحك ينزف.

أخذوها إلى المشفى والحرب مازالت قائمة, وغزة صامدة تقدم الشهداء والأبطال.. بعد أيام خرجت من المشفى لتزور قبور الشهداء, حاملة معها أغصان الزيتون وغطت قبور الشهداء.. ورسمت بأصبعها على التراب عبارة رائعة.. هنا يرقد شهداء الكرامة العربية…

المزيد...
آخر الأخبار