الفداء-
أطلقت مبادرة تحدي القراءة العربي التي أعلنتها دولة الإمارات، فئة جديدة مشاركة في التحدي وهي لأصحاب الهمم وذلك في موسمها السابع وتضم هذه الفئة المكفوفين بالإضافة لأنواع كثيرة ، والملفت للنظر مشاركة عدد كبير من المكفوفين في تحدي القراء لدينا في سورية، مما طرح تساؤلات كثيرة واستفسارات حول هؤلاء ، فكيف للكفيف أن يتفاعل ويتعامل مع المقروء، وهل يستطيع الكفيف أن يتخيل شخصيات أو أحداث القصة التي قرأها ، وماذا عن العالم الافتراضي الذي يعيشه مع القصص ؟،كثيرة هي الأسئلة التي طرحت نفسها أثناء تعاملنا مع هذه الفئة ، بل وأثارت الفضول لدينا ، فقد تفاعلوا وعبروا عما قرؤوا ، وكانوا حاضرين للإجابة عن كل سؤال ، وبمستويات ونماذج مختلفة وهنا يجب ألا ننسى بأن هناك الكفيف منذ الولادة ،وهو من تم التركيز عليه ،وهناك من فقد بصره كاملا منذ الصغر أو بعمر تجاوز العاشرة وربما أكثر لمرض أو حادث أصابه، والبعض فقده للبصر جزئي ، وقد اختلفت رؤاهم فيما يخص تعاملهم مع النص المقروء وذلك كل حسب حالته ، وبالرغم من كل الدراسات التي أجريت يبقى هذا العالم مجهولا لنا فهناك عالم اقتراضي لكل منهم ، حتى أن الفئة العمرية لعبت دورا في هذا المجال ، ومهما حاولنا لن نستطيع اختراق هذا العالم أو رسم أبعاده بشكل دقيق، قد نقترب من رؤاهم المتخيلة لكن أبدا لن نكون قادرين على ترجمتها بشكل واضح وصريح ، فهل يعمد الكفيف إلى تجسيد القصة أو تشخيصها ؟ وكيف يتعامل مع القصة فهل يتخيل شخصياتها ؟ وكيف يكون هذا التخيل؟ كيف بدا عالمه الافتراضي الذي عاشه مع القصة ؟وما هو دور القراءة في توسيع خياله ؟ وما هي الفائدة من القراءة على مستوى مداركه وطبعا كان هناك مراعاة لنوعي الكفيف سواء عند الولادة أو بعد فترة ؟ فقد اختلفت الإجابات بين النوعين فالثاني يعتمد على ذاكرته البعيدة وتلك التي تسعفه في التخيل أكثر فيصبح قادرا على التخيل بطريفة نستطيع فهمها من خلال التعبيرات والألفاظ التي استعملها أثناء الحديث معه.وقد ركزنا على النوع الأول طارحين عددا من الأسئلة ومحاورين أصحابها ، وخلال ذلك
أجابت إحدى القارئات المشاركات في تحدي القراءة عن تساؤلاتنا ذات الخمسة عشرة عاما وهي كفيفة منذ الصغر لا تستطيع رؤية إلا الأضواء ولا تميز إلا بين الأبيض والأسود بأنها عندما تقرأ القصة فإنها تجسد شخصياتها في خيالها وكأنها شخصيات حية حتى تكون أقرب للواقع ،وحتى الأشياء التي لا يمكن رؤيتها في الواقع يمكنها تخيلها في القصة مضيفة بأنها تتخيل مكان القصة وأحداثها بدون تفصيل أو جزئيات لها، وأردفت بأن قراءة القصة تزيد من خيالها بحسب جزالة مفرداتها اللغوية فهي تعتمد على حد قولها في قراءة القصة على الكلمات ، فكلما كانت الكلمات أقوى زاد ذلك من الخيال لديها وتوسع أكثر ، وأما عن العالم الافتراضي للقصة فهذا يعتمد على القصة ذاتها فهنا فصص تأخذها معها إلى عالمها وهناك قصص فقط تعيش معها بعض أحداثها وبطريقتها.
كما أفادتنا مشاركة أخرى وهي أيضا كفيفة منذ الولادة بأنها أيضا عندما تقرأ القصة فإنها تقوم بتجسيدها وتشخيصها وكأنها في واقعها الذي تحياه بل أكثر ،وقالت :أنا أتخيل هذه الشخصيات وكأنها أمامي وتقرأ لي الأحداث التي وردت في حياتهم التي مروا بها ، وما يساعدني في التخيل هو نبرة الصوت وجزالة اللغة وقوتها ،أما عن العالم الافتراضي فقد أجابت بأن قراءة هذه القصص قد أوصتها ونقلتها لعالم خيالي جدا جدا ،وبعيد ليس مثل واقعها الذي تعيشه فهي تشعر بأنه أقوى بكثير ولكن وبشكل عام فإن كل القصص والروايات التي قرأتها أوصلتها إلى عالم واسع وكبير ، كما أن القراءة زادت من ثقتها بنفسها ووعيها وثقافتها .
وبأجوبة مقتضبة عبرت لنا قارئة أخرى بأنها تتخيل فالخيال موجود لديها فهي مثلا تتخيل الإنسان لكن دون أي ملامح ، لكنها أضافت بأنها تتأثر بالقصة المقروءة من حيث طبيعة أحداثها وبخاصة إذا جسدت الواقع الذي نعيشه ،كذلك تتأثر بشخصياتها وطبيعة أحداثها كما أن لجزالة الألفاظ وقع عندها ،فهي بالإضافة لتأثرها للجديد من المفردات كذلك لجزالتها تأثير ، مضيفة بأنها تتعلم من القصة كيفية التعامل مع الواقع وتسقطها على أحداث نحن نعيشها .
وكان لابد لنا من وقفة قصيرة مع مشارك بلغ السادسة من عمره تواصلنا مع والدته التي كانت أقرب لتشرح له المقصود بالأسئلة ، فهم يعتمدون على قصص تحكي عن الحيوانات وألعاب وأشياء ملموسة وفيها مفاهيم وقيم وعبر وقصص الأنبياء وأكملت الأم :كنا نحاول أن تصل له الأشخاص لكنه لا يستطيع أن يتخيل لأن عمره ست سنوات فقط فالأشياء الملموسة كانت العامل الأكبر وكذلك من خلال تشبيه الأشخاص بأشخاص يعرفهم ، وعن تخيله عموما كان في كل مرة يقول تخيلت لكنه يرفض أن يجيب كيف.
كذلك عبرت القارئة الصغيرة غادة من الصف الثاني عن تفاعلها مع قصة بياض الثلج بأنها تتخيل الأقزام الصغيرة جدا وأن بياض الثلج جميلة جدا مستنكرة ما فعلته الملكة الشريرة برأيها ببياض الثلج، موضحة لنا ما تعلمته من القصة ومدى تأثيرها فيها وكأن بياض الثلج أمامها دون أن تستطيع أن توضح لنا قصدها بأنها تتخيل بياض الثلج حاضرة أمامها.
كذلك كان جواب أسيل من الصف الثاني حول تفاعلها مع قصة بياض الثلج فهي أكدت تخيلها للأقزام الصغيرة وبياض الثلج و بأحداثها فهي تعرفت على الأقزام التي لم تكن تعلم بهم كما أنها قالت بأنها أحست بأنها موجودة في الغابة مع الأقزام وبياض الثلج ودون المقدرة أيضا على إيضاحات أخرى فلعل ذلك العالم المُتخَيل لديهم يصعب تصويرهم له ونقله إلينا في هذا العمر الحرج ،وعموماً فإن الصغار قد ارتبكوا في تعبيراتهم وفي نقل صور خيالاتهم لنا ، بينما كان الأكبر سناً أقدر في التعبير ، وإيصال مفهوم ولو محدود عن تعاملهم مع المقروء .
ويبقى السؤال ما هي طبيعة هذا العالم الذي يتخيلونه هل هو أخيلة مجسدة أم مشخصة وبالأبيض والأسود أم أن هناك عالم يهيمون به.
لكن ومع كل ذلك لاحظنا أن لقوة وجزالة الألفاظ وقع خاص عندهم أثار خيالهم وحفزهم للقصص والكتب المقروءة بشكل أكبر مما يعني أهمية الصوت في التجسيد أو التشخيص أو إثارة المشاعر والأحاسيس عند الكفيف وهذا قد يساعدنا في اختيار طبيعة كتب معينة تتوافر فيها تلك الصفات اللغوية والتي يحبذها هذا الإنسان .
ولكننا في النهاية أدركنا مدى أهمية تفعيل القراءة عند المكفوفين وفائدتها الكبيرة التي تساعد في بناء وصقل شخصياتهم وجعلهم أكثر قربا من الواقع المرئي مع اختلاف الأسلوب، وأهمية مشاركتهم في مسابقة تحدي القراءة العربي حيث أثبتوا حضورا لا نستطيع حجب ضوءه.
شذى الوليد الصباغ