خاطرة: المحبة

 
..والآن يتجدد الصوت،الآن في ظلمات الحياة في ليلها الحالك 
السماء الممتلئة بالنجوم،والظلام الممتد عبر هذا المدى 
في ساعةٍ متأخرةٍ من السّحر،هنالك جفن أرقه السهر،ونافذة تطلُّ على الأفق اللازوردي،هنالك قلب يناجي،قلب يحبُّ ويخشى، ويسجد.
جلس الرّجل الطيب على كرسيه وسقطت من عينه آخر دمعة تبوح لخالقها بالسرّ،وتسبّح بحمده وتسجد وتستغفر،مازالت ذرّات جسده تتساءل عن ذلك المعشوق المهيب،مازالت تتساءل أن كيف لكلمة أن تقلب موازين الكون،أن تبعث الحياة من جديد،أن ترد لنا الغائبين من عالم الغياب!!!
ويستمر صوت الناي القادم من بعيد,كأنّ موسيقا الخلق تعزف لحنَ الحياة,وترقص معها الأشجار وينصت الكون احتراما للعازف العظيم,
مازال يذكر ذلك اليوم الذي غيّر تاريخ قلبه وعقله ، كيف أصبح العالم برمته أسود ، كيف حزنت الأشجار وانطفأت الشّمس
فكان ياما كان ، من غابر الأزمان ، من ماض علمنا وأدّبنا وهذب نفوسنا ، كانت سوسنة القلب الصغيرة ، وفلذة الكبد الأخيرة ، يوم غابت عن ناظريه لأيام،بعد أن ضاعت في أحد البساتين ثم وقعت في النهر وألقاها النهر على حافته بأنفاس معدودة،فبعث الله  إليها دعوة طرقت باب السماء فأنقذها أحد المارة..
في ساعات اليأس المؤلمة,في عتمة الدّرب الممتلئ بالأشواك،ينبثق فجأة نور من الدّاخل،يخبرنا ان لاشيء سوف ينتهي ، وأن الفجر سيولد من جديد،انطلق نحو بابٍ لايوصد أبداً,نحو نبعٍ لاينضب،نحو حبّ أبدي خالصٍ ونادِ..!
نادهِ حتى يخترق النّداء الفضاء,حتى تصلّي المجرّات والأفلاك معك,حتى يخرّالكون باكياً بخشوع،سينجلي وجع القلبِ حتى يصبح الحزن منسياً,بل حتى يصبح الحزن فرِحاً..
الآن ينظر الرّجل الطيب نحو العالم الذي يصارع الموت والفقر والدمار،والآن بات متيقناً أن ّ علاج الأرض بأيدينا،لكنّ قلوبنا لاتأبه وترضى بالمسكنات المؤقتة،
إنّنا بحاجة للمحبة، يومها،سينصت كلّ شيءٍ لموسيقا السماء ،سترفض الرصاصة أن تقتل طفلاً بريئاً، ولن يقبل الجوع أن يفتك بالعبد الأسمر، وحتى ذلك الفيروس الصّغير سيرحلُ بعيداً عن عالمٍ تترنّم فيه الطيورُ والفراشات وكلُّ المخلوقات..بالمحبة.
إسراء عبد الكريم الرزوق
المزيد...
آخر الأخبار