الفداء_فراس اليحيى:
لم يعد دور حكمت الهجري في جنوب سوريا موضع شبهة أو تأويل سياسي، بل تحول، وفق تحقيق موثق نشرته صحيفة واشنطن بوست الأميركية، إلى نموذج صريح للارتهان للخارج واستخدام السلاح والمال الأجنبيين في مواجهة الدولة السورية الجديدة.
فالتقرير المبني على اعترافات من داخل قواته نفسها، وشهادات لمسؤولين إسرائيليين وغربيين، يرسم صورة قائد محلي تجاوز حدود الخلاف السياسي، وانخرط في مشروع أمني، عسكري يضرب وحدة البلاد في لحظة مفصلية من تاريخها.
ما تكشفه الصحيفة لا يتحدث عن “هواجس أقلية” أو “حماية مناطق”, بل عن منظومة دعم خارجي متكاملة: أسلحة، تمويل، معلومات استخباراتية، وخرائط تقسيم، جرى توظيفها لإعاقة بسط سيادة الدولة بعد سقوط نظام المخلوع بشار الأسد، ومنع الحكومة السورية الجديدة من توحيد البلاد.
من سرّب المعلومات؟ مصادر متعددة ومتقاطعة
تحقيق واشنطن بوست أعدّه أربعة مراسلين، واستند إلى مقابلات مباشرة مع قائد ميداني في ميليشيا الهجري ومسؤولين إسرائيليين في المؤسسة الأمنية.
هذا التعدد في المصادر، وتقاطُع رواياتها، منح التقرير ثقلاً استثنائياً، وحوّل ما ورد فيه من مستوى الاتهام السياسي إلى مستوى الوقائع الموثقة.
اعترافات ميدانية.. سلاح ومعلومات استخباراتية
أخطر ما أورده التحقيق هو نقل الصحيفة حرفياً بالمعنى الصحفي عن قائد في ميليشيا الهجري إقراره بتلقي مجموعته أسلحة نوعية، بينها صواريخ مضادة للدبابات، إضافة إلى دعم استخباراتي تمثل في صور أقمار صناعية استُخدمت خلال المعارك ضد القوات الحكومية.
هذه الإفادات الصادرة من داخل التشكيل نفسه تنسف أي محاولة لتقديم ميليشيا الهجري كقوة محلية مستقلة، وتضعها في موقع الطرف المنفذ لأجندات خارجية.
مسؤولون إسرائيليون: دعم بلا التزام سياسي
في موازاة ذلك نقلت واشنطن بوست عن مسؤولين إسرائيليين اعترافهم بتقديم دعم عسكري لميليشيا الهجري، شمل أسلحة صودرت سابقاً من تنظيمات سابقة كحزب الله الارهابي وحركة حماس.
ورغم محاولة هؤلاء المسؤولين التقليل من شأن هذا الدعم، عبر القول: إن إسرائيل “لم تحسم سياستها النهائية” تجاه الهجري، إلا أن هذا التناقض دليلاً على سياسة تدخل مرنة هدفها إضعاف الدولة السورية ومنع تشكل سلطة مركزية قوية.
خرائط تقسيم.. شهادة مسؤول غربي
الأكثر خطورة في التقرير، ما كشفه مسؤول غربي رفيع للصحيفة، حيث أكد أن الهجري أعدّ خرائط لمشروع كيان منفصل يمتد خارج الجغرافيا السورية، وصولاً إلى العراق.
وبحسب المصدر نفسه، عُرضت هذه الخرائط على حكومة غربية كبرى في مطلع عام 2025، في خطوة اعتبرها دبلوماسيون محاولة مكشوفة لتدويل مشروع تقسيمي يتعارض بشكل مباشر مع وحدة سوريا.
المال السياسي وبناء قوة موازية
لا يقتصر الدور الخارجي، وفق واشنطن بوست، على السلاح والمعلومات، بل يشمل تمويلاً شهرياً منتظماً لآلاف المقاتلين ضمن قوات الهجري، بهدف تثبيت نفوذهم كقوة مستقلة عن مؤسسات الدولة.
وترى الصحيفة أن هذا التمويل يكاد يشكّل ركيزة لبناء بنية عسكرية موازية، استُخدمت كورقة ضغط سياسية وأمنية في مواجهة الحكومة السورية الجديدة.
تصدعات داخلية وملفات سوداء
على الرغم من هذا الدعم، يلفت التقرير إلى أن ميليشيا الهجري تعاني انقسامات حادة وصراعات قيادية، وصلت إلى اتهامات متبادلة بالتنسيق مع أطراف متناقضة.
كما أوردت الصحيفة معلومات عن اتهامات تطال الهجري وأشخاصاً من دائرته بالضلوع في شبكات خطف وتهريب عابرة للحدود، ما يقوّض الصورة التي يحاول أنصاره تسويقها داخلياً وخارجياً.
وحدة سوريا غير قابلة للمساومة
في المقابل، تؤكد الحكومة السورية بقيادة الرئيس أحمد الشرع بحسب ما نقلته واشنطن بوست عن مقابلات رسمية، أن أي مشاريع حكم ذاتي أو ترتيبات أمنية تُفرض من الخارج مرفوضة بالكامل.
وشدَّد الشرع، خلال لقائه مسؤولين أميركيين، على أنَّ السياسات الإسرائيلية التوسعية لا تحمي الاستقرار، بل تطيل الصراع وتهدد أمن المنطقة بأكملها.
ما كشفته واشنطن بوست، استناداً إلى مصادر من داخل ميليشيا الهجري نفسها، ومن مسؤولين إسرائيليين وغربيين، يضع الرأي العام السوري أمام حقيقة صادمة. القضية لم تكن دفاعاً عن مكوّن، بل توظيفه في مشروع خارجي يهدف إلى إضعاف الدولة ومنع تعافيها بعد مرحلة النظام البائد.
وفي هذا السياق، تبدو معركة سوريا اليوم معركة سيادة بامتياز، عنوانها تفكيك شبكات الارتهان، وحصر السلاح والقرار بيد الدولة وحدها.
#صحيفة_الفداء