شخصية من بلدي : الشاعر والزجّال خالد بن أحمد الجميّة 1929ـ 2010

كانت جلساته تحمل نسمات العطر والورد الجوري, مرّصعةً بكلمات من ذهب, تعبر عن صدق مشاعره ومحبته للحضور, هو عمود الحفل الذي يضيء بحروف كلماته أجمل الكلام وأعزب الألحان، أينما حل حلت معه البسمة والفرحة, وجهه يحمل تقاسيم الرجولة الحقة, بلباسه العربي الأصيل الذي نشأ وترعرع عليه حتى وفاته عام 2010 (الكلابية والكدشية المطرّزة والكضاضة البيضاء والبريم).
هذا هو الشاعر والزجال ( أبو صفوان خالد الجميّة ), هو معروف لدى الحمويين من خلال حفلاته التي كان يشارك فيها بأشعاره العاطفية ــ والناقدة للمجتمع ــ والناصحة أحياناً .
قام التلفزيون العربي السوري بتسجيل العديد من حفلاته التراثية والوثائقية عن عادات وتقاليد المجتمع الحموي ــ مَنّ مِنَّا لا يعرف أبو صفوان ــ .
الشاعر خالد بن أحمد الجميّة مواليد حماة ـ حي العليليات عام 1929متزوج ولديه سبعة أبناء إناث وذكور. ( أُميّ لا يجيد القراءة ولا الكتابة) عاش الشاعر الزّجال خالد الجميّة في بيئة فقيرة يتيماً, حيث توفي والده وهو في الثانية عشرة من عمره , بدأ حياته كادحاً , حيث اشتغل في كثير من المصالح / سبعّ الكارات/ وثبت أخيراً في صناعة الأحذية الرجالية, وكان من أمهر وأشهر من عمل في تفصيل وإتقان وجودة الحذاء والجزمة والبيتون في مدينة حماة، تنقل في أماكن عمله كثيراً حيث استأجر محلاً في سوق الشيشكلي ومن ثم سوق جلباب,ومن ثم الدباغة.‏‏
كان لشاعرنا أصدقاء ومحبين كثر منهم شعراء الموال / علي خلوف
( جرابات) وأحمد الأخرس وحمود عربش والزجّال فايز سليم،/كانوا جميعهم يجلسون عنده, ويسمعون بعضهم بعضاً .‏‏
كان الزجال خالد الجميّة يهوى الزجل والفن حتى أنه سمى محله ( بأحذية الفن) .
بدأ مسيرته الفنية في تأليف الزجل عام 1960 ـ أيام البئر الارتوازي
( الجب) حيث إن جميع أصدقائه (شعراء الموال) كتبوا عن هذا البئر لما له من شهرة وأهمية لمياهه العذبة والمفيدة في ذلك الحين‏‏ .
ألف أول زجلية عن ( الجُب الارتوازي) .
كان شاعرنا خالد الجميّة ذو ذاكرة عجيبة لا ينسى أي شيء حتى ولو بعد حين ، كان ذكياً جداً ، شديد الملاحظة ، حسّاس .
كانت طريقته بالحفظ أنه عندما كان يريد أن يؤلف زجلية يقول لم بجانبه معكم قلم إكتب . ويبدأ بالبيت الأول ثم يقول للكاتب شو كتبت ويعيده عليه، ثم يقول له اكتب البيت الثاني ثم يعيد من الأول حتى تنتهي الزجلية، ثم يعيدها عليه أكثر من مرة ليعدل عليها حتى تصبح موزونة .
ألفّ الحزورة ارتجالاً ( منظومة بصيغة الزجل ) له أكثر من مائة حزورة .
ألف الكثير من الأغاني القومية والغزلية ( غناها المطرب نادر حداد وعبد السلام الشامي المشهور بأبو سلمو الحموي ) حيث كان يلحن هذه الأغاني يحيى الحلبي وعارف العجم .
رافقهم عزفاً الأستاذ عبد الكريم كيلاني قانون ومحي الدين العوير ناي وفؤاد الفاعل عود وعارف العجم كمان وعبد اللطيف الأسود مع نصر البني إيقاع.
كانت تقدم هذه الأغنيات على أرض المركز الثقافي العربي في الحفلات والمناسبات الوطنية .
كان له وجوداً مميزاً في حفلات الأعراس والموالد وحفلات الطهور والسيران .
تراث حموي كلها سجلات في التلفزيون العربي السوري.
عاش حياته وتوفي صادقاً شريفاً وفياً أبياً محبوباً لدى أهالي حماة جميعاً . ترك الشاعر خالد الجميّة بصمة هائلة من أعماله الفنية التي لا تنسى على مدى العصور .
حب الشاعر الزجال خالد جميّة لمدينته وعاصيها ليس له حدود ومحبة بلده بالقلب موجود فيقول عنها :
بلدي أحلى البلدان مفروشة ورد وريحان
أم الشرف أم العز فيها الشاعر والفنان
حماة يا قلب بلادي فيكي التلّة والوادي
وفيكي البلبل الشادي بغرّد على الأغصان
عاصيها عكس الأنهار ما بيشبع منوّ أنظار
عطرا فواح خضره وأشجار وماؤه بيروي كل ظمآن
لمّا تشوف النواعير ما بتشبع منها مشاوير
عقلك من راسك بطير موسيقا ونغمة وألحان
الختام : رحمك الله أيها الأُميّ كل ما فيه حروف تنثر من ألسن الشعّار يفوح عطر الكلمات .
أكرم ميخائيل اسحاق

 

المزيد...
آخر الأخبار