ـ في مرحلة ما، في زمن ما..
استطاعت لجنة تمكين اللغة العربية في حماة, أن تضرب عصفورين اثنين بحجر واحد!..
فقد قامت هذه اللجنة بتكريم مدرّسي اللغة العربية في المحافظة، الذين كان لهم باع طويل في تدريس هذه المادة الأساسية ، لطلابٍ وتلاميذَ, سبق أن مرّوا بهم عبر عشرات السنين.
التكريم في حدّ ذاته, كان تكريماً للّغة, وللمعلّم, في آن واحد!.
ـ كان تكريماً للغة.. لأن هذا الأمر يدخل في صميم عمل هذه اللجنة, التي وُجدت في الأصل لدعم لغتنا العربية, ودفْعها قدماً نحو الأمام , وتسهيل فهمها وحفظها, واعتماد نحوها وصرفها وبلاغتها, واستخدام ألفاظها وتراكيبها ومصطلحاتها في دوائرنا الحكومية, في مؤسساتنا الرسمية, في حياتنا اليومية, في اللافتات التي تُرفع, والواجهات التي تُبنى، والكلمات التي تُلقى, والخطابات التي تُرسل, والدعايات التي تُطبع وتُوزّع..
وما أجدر هذه اللغة بهذا التكريم, فاللغة العربية أداة تواصل تربط بين العرب جميعاً, بغضّ النظر عن المدن التي يعيشون فيها, أو الأقطار التي ينتمون إليها, بل هي وسيلة تصلنا بآبائنا وأجدادنا الأقدمين، الذين عاشوا قبلنا منذ مئات السنين.. إننا نحفظ أخبارهم, والأحداث التي مرّت بهم, والمصائب التي ألمّت بأقطارهم, كل ذلك مدوّن باللغة العربية، ويتناقله العرب جيلاً إثر جيل!..
إننا نعرف الفتوحات العظيمة التي قام بها أجدادنا من أجل نشر رسالتهم الخالدة، ونعرف المكتشفات العلمية الهائلة التي توصلوا إليها عبر سنين طويلة من الجهد والدأب, ونعرف سيرة العظماء الذين رفعوا رأس هذه الأمة عالياً منذ أقدم العصور.. كل هذه المعلومات وصلت إلينا عبر تاريخ عريق كُتب بحروف عربية.. ومفردات عربية.. وجمل عربية..
اللغة العربية تصل بين الماضي والحاضر, وستصل أيضاً بين الحاضر والمستقبل, فأولادنا وأحفادنا سيقرؤون لنا بمشيئة الله, وسيتعرفون إلى أنماط عيشنا، وأساليب تفكيرنا، عبر هذه اللغة الغنية, التي حفظها الله سبحانه لأنها لغة القرآن الكريم, ولولا القرآن لتحولت لهجاتنا المحلية إلى لغات متنافرة متباعدة, كما حدث مع اللغة اللاتينية ولغات عالمية أخرى, التي تحولت مع مرور الأيام إلى لغات فرعية تختلف فيها كل لغة عن أختها!..
أوليست هذه اللغة, جديرة بأن تُدعَم, وأن تُمكَّن, وأن تُكرَّم؟!..
ـ وحفل التكريم هذا, كان تكريماً للمعلّم, بالإضافة إلى تكريمه للّغة، فالمعلم هو المسؤول عن نقل هذه اللغة من بطون الكتب إلى عقول الطلاب، ولولا المعلم لما ارتفعت للّغة راية, ولما استطاعت الأجيال المتعاقبة أن تتواصل مع لغة آبائها وأجدادها, ولما وقفت هذه اللغة صامدة صمود الأبطال تتحدى كل المحاولات اليائسة والبائسة التي أرادت أن تنال منها وتسقط من هيبتها أمام لغات العالم أجمع، أوليس أساتذتنا هم الذين زرعوا في قلوبنا حبّ اللغة, أوليسوا هم الذين شجعونا على الكتابة بها والغوص في أعماقها, أوليسوا هم الذين دفعونا إلى السير على طريق الفكر والأدب وفتحوا لنا الصناديق المغلقة كي نأخذ من جواهرها ولآلئها مانشاء, أطال الله عمر من بقي منهم حياً, ورحم الله من غادرنا إلى دار البقاء.. ومن باب الاعتراف بالجميل, أخصّ بالذكر أساتذتي الذين كان لهم فضل كبير في تعليمي مادة اللغة وأنا على مقعد الدراسة: محمد حجازي, عمر موسى باشا, عبد الرحمن طيفور, توفيق كليب, عبد القادر حمد، عبد العزيز دقاق, أحمد درويش.
د . موفق أبو طوق