«العمى» لجوزيه ساراماغو

الأكثر رعباً من العمى أن تكون الوحيد الذي يرى….
هذه العبارة هي التي دفعتني للإبحار في هذه الرحلة المرعبة، ظننتها بداية مجازية تشير إلى عمى البصيرة، إلا أن البطلة كانت هي الوحيد القادرة على الرؤية بعد أن غرق جميع سكان مدينتها بمن فيهم زوجها طبيب العيون في عمى أبيض.
هذا المرض الذي انتشر كوباء خطير غير معروف الأسباب، مجهولة طرق العدوى به، يكون الشخص بعينين تبصران كل شيء وفجأة ومن دون أعراض أو علامات، يغرق في بحر من حليب أبيض.
رعب حقيقي، لدرجة أني خشيت أن أصاب أيضا!! لولا أني كنت متأكدة أن آلاف الناس قرؤوا الرواية وبقيت أعينهم سليمة.
وأول إجراء تتخذه السلطات في مثل هذه الحالات هو الحجز أو العزل لتقليل انتشار الإصابة.
إلا أن المصابين كانوا في تزايد مستمر حتى عمي كل السكان، باستثناء زوجة الطبيب، التي رأت ما لا يمكن تحمله من هؤلاء الذين كانوا ،قبل أيام قليلة، تحكمهم الأخلاق والآداب الاجتماعية، وبعد العمى ظهرت طبائعهم على حقيقتها المخيفة، ساد الخراب والدمار وغمرت النفايات البشرية الشوارع، والجميع مندفع للبحث عما يعينه ويبقيه هو وحده، حتى لو اضطر للسرقة والقتل وغيرها….
لا أدري إن كان لحسن الحظ أم لسوئه يستعيد الجميع بصرهم الواحد تلو الآخر كما فقدوه تماماً وكأن شيئاً لم يكن ، لكن لا أحد يجزم إن كانوا سيستفيدون فعلا من أبصارهم بعد ما حدث أم لا.
أظن أن الكاتب مبدع في اختياره لتلك المرأة من بين الجميع لتبقى مبصرة، وذلك لما تمتلكه من صفات، فهي بدافع الحب والإخلاص تخبر السائق الذي قدم لاحتجاز زوجها بمفرده، أنها هي أيضا أصيبت بالعمى.
وبدافع الشفقة تعطف على ذلك العجوز ،وتلك الفتاة البغي.
وبدافع المسؤولية تحرص على تأمين الطعام لمجموعتها، علماً أن أحداً ما مكانها ما كان سيقدم على المخاطرة بحياته عدة مرات للحفاظ على حياة عميان.
وفي النهاية تصل لنتيجة تعلم بها زوجها (أعتقد أننا عميان، عميان يرون، بشر عميان يستطيعون أن يروا، لكنهم لا يرون)
نزهة السيد

 

المزيد...
آخر الأخبار