المواطن كين هو ( أورسون ويلز ) عبقري السينما العالمية في القرن العشرين الذي قال عنه المؤرخ جورج سادول (لو لم يوجد أورسون ويلز لنقص شيء ما في السينما ) .
ظهر أورسون ويلز في سماء ( هوليود ) وهو في سن الرابعة والعشرين بعد أن هز الجمهور الأميركي من الأعماق عام /1938/ قبيل الحرب العالمية الثانية ببرنامج إذاعي عن رواية ( هـ ــ ج ــ ويلز ) حرب العالمين ، وقد ظن المستعمرون أن الحرب قد قامت بالفعل وتعرضت أميركا للغزو ، فمات عدد منهم من الرعب … ونال أورسون ويلز شهرة كبيرة ، فتعاقدت معه إحدى شركات السينما الكبرى وأعطت له سلطة مطلقة في الأفلام التي يخرجها . وقبل أن يبدأ وليز كسينمائي ركّز على دراسة الأفلام الهامة التي تحتفظ بها المكتبة السينمائية في نيويورك ، ثم اختار موضوع فيلمه الأول الذي يتحدث عن المليونير ملك الصحافة ( وليام راندولف هيرست ) نموذجاً له ، واختار ممثلين من زملائه القدامى ، وقد حاول هيرست أن يمنع عرض فيلم ( المواطن كين ) فساعد بذلك على الدعاية للفيلم ، وقد استقبل فيلم ( المواطن كين ) عند ظهوره عام /1941/ استقبالاً كبيراً من النقاد المتفرجين في نيويورك وفي المدن الأميركية الكبرى باعتباره من الروائع السينمائية …
يبدأ الفيلم بموت المليونير الأميركي ملك الصحافة ( شارل فوستركين ) في ضيعته الخرافية ، وكان آخر ما نطق به هو كلمة ( زرورد ) أو ( روزباد ) ولأهمية كين العظيمة كلفت إحدى الصحف الكبرى محررها الأول لكي يبحث ويتقصى معنى هذه الكلمة ومدلولها ، فيسأل الصحفي كل أولئك الذين عرفوا كين عن قرب وشاركوه في أعماله ، ويقدم له كل واحد منهم جانب من شخصيته دون أن يستطيع تفسيرها ، أو تفسير تلك اللغة الغريبة التي لفظها كين وهو على فراش الموت ( روزباد ) .
يروي له أحدهم كيف شن ( كين ) حملة صحفية هائلة مهدت لغزو كوبا عام /1967/ ويروي أخر قصة زواج كين من ابنة أخت رئيس الولايات المتحدة ، ثم فشله في ترشيح نفسه للرئاسة ،وزوجته الثانية ويلتقي بها المحرر في كباريه فتتحدث عن مجموعتها الغنائية كيف تصبح مغنية أوبرا كبيرة ثم احتجابها عن الوسط الفني ، وفي النهاية يلقى بعضهم إلى النار بقطع قديمة من الأثاث ، كان قد جمعها المليونير كين من هواية فيما مضى، فترى بين هذه القطع حذاء أطفال مكتوب عليه ( روزباد ) .
لقد طاف بخيال ( كين ) وهو على فراش الموت ــ حلم الطفولة السعيدة ــ الذي لم يعرف كيف يبلغه ، رغم نجاحه الاجتماعي الضخم …
ولقد استخدم ( أورسون ويلز ) في هذا الفيلم أسلوباً ثورياً جديداً في التعبير السينمائي ، وهو وإن أعاد استعمال طرائق فنية معروفة من قبل مثل
( الفلاش باك ) أو العودة إلى الوراء واستخدام الديكورات المسقوفة ، والتصوير من تحت مستوى النظر ، ومن زوايا غريبة ، إلا أنه قد حولها جميعاً بطريقته الثورية واستخلص منها تأثيرات جديدة لها طابع أصيل ، كما استفاد ويلز من عمله في الراديو فابتدع مفهوماً جديداً لاستخدام شريط الصوت في الفيلم حيث يلتحم الايقاع الصوتي مع مونتاج الصورة .
غاب أورسون ويلز عن الاخراج بعدها إلى أن انتهت الحرب العالمية الثانية فعاد إلى السسنما من جديد لكي يخرج على التوالي ( الغريب /1946/ ) ( سيدة من شنغهاي /1947/ ) ( مألبث /1948/ ) ( عطيل
/1952/ ) ( التقرير السري /1955/ ) وفيلم ( لمسة الشر /1958/ ) ثم ذهب إلى أوربا وأخرج في فرنسا فيلم ( المحاكمة ) /1962/ المقتبس عن رواية ( كافكا ) الشهيرة ، ومعظم هذه الأفلام كان يخرجها ويقوم ببطولتها ، وهناك فيلم قام بإخراجه عام /1976/ ولم يكتمل لظروف عديدة ، وكان قد أوصى أن يخرج هذا الفيلم ( بيتربوجد انوفيتش ) ومنذ أيام سمعنا عن الانتهاء من إخراج الفيلم بعد أكثر من أربعين سنة … على أن أروع افلام ويلز هو ( المواطن كين ) الذي ظل يمارس منذ ظهوره عام /1941/ تأثيراً ضخماً في السينما العالمية ، وقد أجمع كبار نقاد السينما ومؤرخيها على اعتباره من بين احسن عشرة أفلام انتجت في العالم ، وفي كل
الأزمان
. رحل أورسون ويلز عام /1985/ وهو في السبعين من عمره ، ولكنه سيبقى أحد المخرجين الكبار في تاريخ السينما العالمية أمثال جون هوستون ، فريتز لانج ، جون فورد ، كينج فيودور ، سيسل دي ميل وغيرهم ..
سليم الشامي