أجل ماذا بعد جولة وزير الصناعة يوم الخميس الماضي، في شركة الأحذية بمصياف ومعمل سكر تل سلحب والبصل في سلمية، واطلاعه على واقع العمل والإنتاج الراهن في كل منها، وتوقفها منذ سنوات بالسكر لعدم توافر المادة الأولية اللازمة لدورة تشغيلية، ونعني الشوندر السكري الذي لم يعد يرغب الفلاحون بزراعته، لارتفاع كلفتها وقلة مردوديتها المادية عليهم ؟!.
أجل ماذا بعد هذه الجولة، ومن قبلها جولته في شركات الحديد والإسمنت والبورسلان والصوف والخيوط القطنية ؟!.
إذا كان الهدف من هذه الجولات الاطلاع ميدانياً على المشكلات المزمنة التي تعاني منها هذه الشركات، وعدم الاكتفاء بالمذكرات والكتب والدراسات والتقارير الشهرية أو السنوية التي رفعتها وترفعها إداراتها للوزارة ورئاسة الحكومة، فقد تحقق هذا الهدف ، وصار الوزير بالصورة الحقيقية لتلك الشركات ومعاملها ، وتحصَّلت له معطيات ومعلومات دقيقة وموضوعية ، عن واقع العمل والإنتاج فيها ، وعن أسباب تدني نسبة التنفيذ للخطط الإنتاجية المخطط لها ، وعن انعدامه في السكر، وعن ضعف التسويق في أغلبيتها.
وبالمناسبة، هي ليست جديدة ، ولا مجهولة ، ولا نعتقد أن أي جهة مسؤولة لا تعرف أسباب توقف شركة الإطارات عن العمل والإنتاج منذ سنوات طويلة، أو الظروف الصعبة التي تعمل بها الحديد مثلاً ، وأهمها الخردة التي زيد سعر الطن منها من 35 ألف ليرة إلى 77 ألفاً و 500 ليرة ، والكهرباء التي وعد الوزير خلال زيارته الأخيرة للشركة بزيادتها ساعة واحدة فقط ، هي لاتكفي لإقلاع معمل الصهر!!.
ولن نسهب بالحديث عن شح اليد العاملة وقدم الآلات واهترائها ومنافسة القطاع الخاص لمعظم شركاتنا الإنتاجية بالمحافظة ، فذلك حديث يطول ، وذو شجون يعرفها كل مسؤول في المحافظة أو الحكومة ، ومع ذلك لم يتغير فيها شيء !.
فكل شركة لها ألف معاناة ، وألف قصة مؤلمة بظروف العمال التي لم تتحسن قيد أنملة رغم المطالبات المتراكمة في المؤتمرات العمالية السنوية والاجتماعات الدورية والمجالس الإنتاجية ، بدءاً من الطبابة والضمان الصحي إلى الوجبة الغذائية التي تعادل قيمتها قيمة سندويشة فلافل ولربما سندويشة شاورما بأحسن الأحوال ، إلى الحوافز والعمل الإضافي وماشابه التي لا تغني عن جوع كلها مجتمعة ، إلى صعوبات التسويق بسبب منافسة القطاع الخاص الشديدة بما يملكه من مرونة وتطوير بالآلاته ومعداته ومواكبته العصر الحديث بالمنتج.
وباعتقادنا ، مكافأة وردية نهارية هنا وأخرى ليلية هناك بمبلغ زهيد ، وتوجيه إدارات الشركات لشد الهمة والعمل بأقصى طاقة ، ومواجهة التحديات الإنتاجية والتسويقية بالكلام والمشاعر الجياشة ، لا ينهض شركاتنا الإنتاجية من عثراتها ، ولا يُحدِّثُ آلاتها التي أكل عليها الدهر وشرب ونام ، ولا يجعلها تتغلب على معوقات عملها وإنتاجها.
وإنما ما يبث فيها الحيوية والنشاط والقدرة على الثبات في السوق والمنافسة للقطاع الخاص ، والمساهمة برفد الاقتصاد الوطني بروافد مادية غزيرة ، هو تحسين ظروف عمالها المعيشية، وتوفير مستلزمات الإنتاج الحديثة ومواد الأولية ، ومنح إداراتها مرونة في العمل والتسويق مع محاسبتها في حال إخلالها بمسؤولياتها.
فكما تعرفون الكلام لا يُحدِّثُ آلة ولا يطعم عاملاً جائعاً ، ولا يُنهض شركة من سرير مرضها.
* محمد أحمد خبازي