هل يمكن للغة العربية الباذخة أن تسعفني في التعبير عما ينتابني من شعور وأنا أتابع تلك الأعداد غير القليلة لأخوة لنا من رجالات جيشنا الباسل الذين خاضوا غمار الحرب على امتدادات جغرافية سوريتنا وعادوا ببعض بعضهم ..عادوا بلا أطراف أو بلا عينين ..
أتابعهم وهم (مقعدون )في عرباتهم بصحبة أخ أو أب أو صديق يعينهم على التنقل أو التحرك هنا وهناك..
آخر مشاهدة لتلك الأعداد غير القليلة منذ أيام وحسب أثناء تشييع زميلتهم المسعفة والممرضة التي أصيبت أثناء أداء واجبها في حيّ القابون منذ ست سنوات الشهيدة البطلة الأديبة والشاعرة لينا إبراهيم صاحبة ديوان 0 (حيّ على الزناد)
ما الذي يمكن أن أقوله وأنا أتابعهم ..أتابع بلاغة بوحهم وفصاحة لسانهم الناطق بالحق ..!
ما الذي يمكن أن أقوله وأنا أتابع عزيمتهم وشكيمتهم الباذخة التي عكسها ذاك الإيمان العظيم برسالتهم تجاه الله والوطن وأهله .
حقيقة أخال أن اللغة تعجز عن وصف شعوري وأنا أتابعهم ..أتابع أمهاتهم وهن يبسطن عيونهن الطافحات بالنور وبالضوء تحت أقدامهم لئلا يتعثروا ..
أخال أن ثمة ملائكة تحوم حول رؤوس أولئك الأبطال تأخذ بيدهم وتمدهم بطاقة تمكنهم من البوح والقول والمضي تجاه الحياة ..تجاه الضوء
رجال صمدوا ..فانتصروا لأنهم وضعوا نصب أعينهم وصيّة سيّد الفصاحة والبلاغة الإمام عليّ بن أبي طالب لولده محمد بن الحنفية لما أعطاه الراية يوم الجمل : تَزُولُ الْجِبَالُ وَلاَ تَزُلْ! عَضَّ عَلَى نَاجِذِكَ (1) . أَعِر اللهَ جُمجُمَتَكَ، تِدْ في الْأًرْضِ قَدَمَكَ، إِرْمِ بِبَصَرِكَ أَقْصَى الْقَوْمِ، وَغُضَّ بَصَرَكَ ، وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مِنْ عِنْدِ اللهِ سُبْحَانَهُ.
لله درهم هؤلاء الرجال الرجال يمدوننا بالعزيمة وبالصبر ويقدمون للعالم دروساً في الإيمان والتعبّد والصلاة..نعم و بأبهى مفردات الحب والخير والجمال.
..تلتقي بأحدهم فاقد اًبصره بالكامل وأحد أطرافه السفلية وبعض عجز في أنامله، وما أن تحادثه حتى تشعر أن العالم كل العالم فاقد البصر والأطراف والأنامل أما..هذا الرجل فهو الكامل الكامل .
ومن جهة أخرى كم تشعر بالخيبة والحزن لدرجة البكاء حين تعلم أن هؤلاء يعانون ما يعانونه من فقد وغربة وعوز ..
من البداهة أن تولي حكومتنا هؤلاء كل العناية والاهتمام وتكفيهم شر السؤال ..كما أنه من البداهة أن تتابع وببالغ الاهتمام شؤون الشهداء وأبناء الشهداء وأمهات الشهداء ومن أولى بهم بالعناية مَنْ ؟؟!!
ولن نقارن هنا بين ما هم عليه كجرحى وكأبناء وعائلات وأمهات شهداء وبين أبناء تجار الأزمات أو عائلات وأبناء بعض المسؤولين الذين مازالوا ينعمون بخيرات البلاد خارج سوريتنا النور التي مازلنا نحميها ببؤبؤ أعيننا
ختاما :
سلامٌ على الشهداءِ وهُمْ يَفتحونَ نوافذَ النورِ ويبتسمونَ لنا فَيَطْفَحُ القلبُ قصائدَ وعصافيرْ
سلامٌ على جيشنا الطافحِ بالضوءِ وبالقمحِ وبالأنهارْ
سلامٌ على جَرْحَانا الذينَ دفنوا بَعضَ بعضهمْ في تُراب سورية وعادوا إلى أمَّهاتهم أنبياءَ وقديسينَ وأولياء!
سلامٌ على أمِّ الشهيدِ وآلِ الشهيدِ وهم يكفكفونَ دُموعهمْ بالزغاريدِ وبالرصاصِ وبعلم البلاد .
عباس حيروقة