ألقى الشاعر مصطفى صمودي محاضرة بعنوان ( في الأمثال الشعبية ) أسعدت الجمهور الكبير النوعي الذي غصت به قاعة نادي الرابطة الفنية بحماة ، عرض فيها أعداداً كبيرة من الامثال الشعبية بعد أن بوبها حسب أشكالها ومواضيعها وزمانها ومكانها ووقعها في المجتمع .
ومما قال الأديب مصطفى صمودي في محاضرته :
المثل لغة تعني شبيه الشيء وهو قول موجز في مناسبة ما لتشبيه حال بحال ، لتشبيهك شيئاً تراه الآن عياناً بشيء رأيته من قبل . وهو أبرز عناصر الثقافة الشعبية .
أما الحكمة فهي صواب الرأي وسداده وعادة ما تكون للنصح والإرشاد أو للتذكير ، ولسموها فقد نفاها فيثاغورث عن نفسه معتبراً إياها أسمى من الفلسفة قائلاً ( لست حكيماً إنما أنا فيلسوف لأن الحكمة لاتضاف إلا إلى أنصاف الآلهة )
ويؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً.
والفارق بينهما أن أي شخص يمكنه الإتيان بمثل بلا تخصيص . لكن الحكمة هي خلاصة رؤية تأملية استقرائية تتبع من حكماء تحمل فكراً وموازنة بين الأمور لذلك أطلقت على صاحبها صفة الحكيم أو العاقل .
الأمثال ذاكرة الشعوب وجزء من تراث الأمم وخزان ماضيها ولا يخلو منها أي شعب لأنها تجسيد لأفكاره وعاداته وتقاليده ومعتقداته .
فأرسطو رآها (بقايا فلسفة أولى قديمة كلَّ القدم ،وأنها بقيت رغم كل العواصف التي مرت على الإنسانية بسبب ندرتها ودقتها وحكمتها )
ولأن الأمثال الأجنبية ترجمت بالفصحى فإنه لا يمكننا إجراء مقارنة بينها وبين الأمثال الشعبية مثلاً : يقول المثل الإنكليزي :
(The right man in the rig Ht p L A c )
ويقول المثل العربي : ( الرجل المناسب في المكان المناسب )
وهناك كلمات في العامية إذا حولتها إلى الفصحى فقدت وقعها على الأذن وبما أن الشاهد يؤكد المعلومة فسأذكر بعض الأمثلة على ذلك .
عندما نهزأ بأحدهم نقول بلهجة العامة ( عاملي حالو صندا بندا ) هذا القول لا يساوي وقع جرسه الموسيقي وقع التعبير المماثل بالفصى ( يظن نفسه أنه مهم ) .
أو قولنا ( لا بهش ولا بنش) لا يحل محله قولنا ( لا يستطيع أن يفعل شيئاً ) .
أو ( طبلج ) لا يماثل وقعها كلمة ( بدين ) .
أو ( طلع زميط) لا يحل محلها تعبير ( لم يستفد شيئاً )
أو قولنا ( مفعوص – شيلوص – هردبشت – فشتعوني – عنغليص – حبشبش – عونطجي ) فإن لفظها بالفصحى أيضاً لا يؤدي الوقع نفسه على السمع على الرغم من عدم فهمي لبعض معاني هذه الكلمات إلا من خلال جرسها الموسيقي .
ومما قال أيضاً في محاضرته :
وإذا أبت الفصحى أن تبدأ كلماتها بسكون … فإن العامية لا تجد حرجاً في ذلك فنقول ( زْمكْ ، مْدهلزْ – مْكولكْ- مْطنّش – جْعيص )
وقد تستعير كلمة أجنبية للسجع واكتمال المعنى بلا أي تحفظ :
( دروس الحياة ما بّلاش دافعين ثمنها / كاش / )
الأمثال لم توجد بين عشية وضحاها بل عبر زمن طويل وتراكم كمّي معرفي من أناس ذاقو حلو الحياة ومرّها من خلال علاقتهم بواقعهم ، ومرت بمراحل عديدة أولها الجهد الفردي ثم الجماعي ثم خضعت لتحويرات وتطورات كثيرة قبل أن تجري على ألسنة العامة والخاصة .
قد لا يدوم المثل طويلاً إذا لم يجرْ على ألسنة الاجيال لتتوارثه وتعطيه صفة الديمومة ، وقليل التداول يزول شيئاً فشيئاً ثم يتلاشى ، كالمثل التالي ، قالو عن ثقيل الدم ( مثل كعب الجمل لابيلعب فيه ولا بينحط بالجيب )
ولأن الجمال انحصر تواجدها في الصحراء فإن المثل غاب عن الأماكن التي لا جِمال فيها وسيغيب معه أيضاً ما شابهه من أمثال للسبب نفسه .
على صعيد المبنى – الشكل
تختصر الأمثال الألفاظ ما أمكن ( البلاغة في الإيجاز ) وينطبق عليها تعريف الأقدمين للاختصار بأنها قلة اللفظ وكثرة المعنى وقول أحمد أمين : ( إنها أدب يمتاز بإيجاز اللفظ وحسن المعنى ولطف التشبيه وجودة الكتابة ولا تكاد تخلو منها أمة من الأمم ، وقول ( رشدي صالح ) في كتابة فنون الأدب الشعبي ( هي الأسلوب البلاغي القصير الذائع الصيت ) لأن أسلوب المثل برأي ( داهل ) هو أسلوب الجملة الصغيرة نسبياً المنغمة في الغالب والمجازية دائماً ) .
هناك أمثال تعتمد على السجع من كلمتين
إن خليت خربت ، الصاحب ساحب ، كفرنا واستغفرنا ، فايق ورايق ، بالأخرة يا فاخرة ، الأقارب عقارب ، الخلّف مامات ، اللون عون ، الغربة كربة ، الأب رب ، الأم بتلم ، الحركة بركة ، بيعرفْ وبيحرف ، حاميها حراميها ، يا عدْ يا مدْ ، نط وما حط ، شبنا وما تبنا ، بوشّو ولا تفشوّ .
ومن الأمثال ما هو أكثر من كلمتين لعدم التمكن من إيجاد كلمة واحدة ليتم بها المعنى :
الدروة أحسن من الفروة – قلبي من العجوز منجوز – لبس العود بجود ، الحية ما بتصير خية .
كول لفت لو تلفت ، العقلو براسو بيعرف خلاصو ، محل مالاحت طاحت، سيران المجانين بكوانين ، دقت الطبلة وبانت الهبلة ، بيوم عرسو وجعو ضرسو .
وقد يطول أكثر بقليل كقولهم :
سمرة ونغشة ولا بيضه ودفشه ، هاذا لوني من يوم الجلوني ، بنت الليلة بتعرف الشيلة ، الولد ضمّو كرمال أمّو ، مثل عزرط لا بيحلْ ولا بيربط ، ما أجت الست بعتت زرمُوزتها ، شيء مامنو دخانو بيعمي ، المتزوج طالع عتال ونازل زبال ، الشرب ع جوع متل الضرب ع الكوع ، إن قعدنا منبيّن وإن وقفنا منزّين ، نامو عنا ليلة فكرو حالن من العيلة ، عزيمة التح يا بتصح ياما بتصح ، اللي الوغايب بضل قلبو دايب .
وقت الي بتنتهي المصالح بصير الحلو مالح ، إن بدك تعيش بسلام رْضي المدام .
وقد يطول أكثر وأكثر كقولهم :
البخيل كل مافتح جزدانو بترجف سيقانو ، إن حبيت حب أمير مشان تستاهل التعبير ، نسوان تمّها عسل بشط ، ونسوان تمها عقرب بلط ، العنزة الجربانة ما بتشرب غير من راس النبع ، بعض البشر بوجهك مساكين وبضهرك سكاكين ، لابق للشوحة مرجوحة ولأبو بريص قبقاب، كلّو ماشي بألف وش والقلوب مليانة غش ، إذا السما شتت عسل الفقير ما بلاقي معلقة ، الكلب خلف جرو طلع ألعن من أبوه ، خود التخينة وأوعا تخاف منها مخدة ومنها لحاف ، لوالد عابجوز ما خلا صبية ولا عجوز ، لاتستعيري من الجارة والخضري براس الحارة ، ماكل الورد خلق للشم ولا كل البشر بتنفدا بالدم .
وقت المجدرة نادي المعترة ، إذا أنت أمير وأنا أمير مين بدو يسوق الحمير ؟
وقد يكون المثل قصيراً بلا سجع :
شم ولا تدوق ، شحاد ومشارط ، البرطيل بفك دكة القاضي ، مثل الأطرش بالزفة ، غزلي رفيع وحظ مالي ، إن خليت خربت ، إن ما خربت ما بتعمر ، جهنم مافيها مراوح ، الكذب ملح الرجال ، ماهالتله إلا هالجورة ، مشقوف ما باكل وصحيح ما بقسم وبديّ آكل لأشبع ,
وأحياناً لا يجدون كلمة تطابق الكلمة السابقة ليكتمل السجع فيضعون كلمة قريبة منها لاصلة لها بما سبقها شكلاً ولكنها تكمل المعنى كأن يقال :
زيوان البلد ولا حنطة جلب
وأحياناً يكون السجع في صدر المثل فقط :
القالب غالب والحاجة بلبيسا ، السكافي حافي والحايك عريان .
العز للرز والبرغل شنق حالو وأحياناً يكون الشطر الأول فنفلت والعجز هو المسجوع :
ست البيت يا بتعمر يا بدمّر
وأحياناً يكون السجع في الصدر والعجز معاً :
القرش ما بخبي الشرش ، والخروق ما بتجيب العروق ، المنحوس منحوس لو علقو ع رقبتو فانوس ، غسّل وجهك ما بتعرف من ببوسك ونضف بيتك ما بتعرف مين بدوسو .
وعندما لا يجدون كلمة قريبة من التي سبقتها يضعون كلمة لاصلة لها بما سبقها شكلاً ليكتمل المعنى بلا ضابط شكلي لها :
البطن بستان ، العين مغرفة الكلام ، خود ها لزّبون وسكّرْ ، طعمي التم بتستحي العين ، شم ولا تدوق . الطبل بحرستا والعرس بدوما . خملنا الباشا باشا طلع الباشا قرد .
وقد تتغيّر في المثل كلمة فينقلب المعنى :
الصهر بشد الظهر . الصهر بيكسر الضهر . أو الصديق وقت الضيق . عند كل أزمة ضيق بتخسر صديق . أو يارايح كتر ملايح . يارايح كتر قبايح . وكثيراً ما يضيفون كلمة بعد كلمة أخرى تشبهها لفظاً فيقولون خوش بوش . طفش عفش . مخنق منطق . شروي غروي . شندي بندي سرّي مري . كاني ماني . خيطي بيطي . شرن طرن . شنني منني .
صلاح أورفلي