حرصاً على مشاعر النقاء ، التي تملكها بنات حواء ..
واحتراماً لرهافة الحس عندهنّ ..
ودفعاً لكلّ ما من شأنه أن يعكّر ، أو يكدّر صفوهنّ ..
ونفياً وإبعاداً لصدمة النفور التي – قد – تنتاب عدداً منهنً بعد قراءة ، أو لمح العنوان الذي تتصدره كلمة ( الفأر ) هذا الحيوان الصغير ، الضئيل الذي يمرق كلمح البصر ، أو كلمع البرق في زوايا الغرف وتحت المقاعد فيدفع الجالسات ( سيدات وشابات ) للقفز واعتلاء الكراسي رهبةً ، وخشيةً، واشمئزازاً بسبب الكراهية – الأزلية – التي يحملها الجنس اللطيف له ..!
لهذا كله يفرض الاعتذار نفسه فرضاً ..!
ويندفع التوضيح – بعد الاعتذار سلفاً – ليشرح القصد .. والله من وراء القصد ..!
الفأر التي تتربع فوق رأس هذه الزاوية التي بين أيديكم ، لا تمتّ بصلة ، أو قرابة لتلك الفأر الممقوتة ، المكروهة التي تخشينها ، وتأنفن ، وتَلُذْن بالفرار منها ..!
والفأر المذكورة – أيضاً- بعيدة كل البعد عن تلك الذكية ، الخبيثة ، الماكرة، اللّعوب التي تخوض سجالات ثنائية ، ماراتونية ، في الأفلام الكرتونية العريقة ، الواسعة الانتشار، في عالميّ الصغار والكبار.. وجميعكم أدرى بـ : ( توم ، و ، جيري )
والفارة.. ليست الآلة التي يستخدمها النجار لكشط ، وتقشير الخشب ..!
الفأر – المقصود – هو عبارة عن جهاز بحجم حبة الليمون ، أصغر من الكفّ ، مربوط إلى شريط – ذراع – يصله بجهاز الكمبيوتر ، وفوقه منقار يضغط عليه ، أوينقره راغب الاستخدام فيظهر سهم صغير على الشاشة ، وتبدأ عمليات تدوين المعلومات الجاهزة ، أو استحضار المجهولة .. وهات يا علوم ، وهات يا معارف ، وهات يا ثقافات ، وهات يا تواصل اجتماعي، وهات ، وهات ..!
هذا الجهاز أطلقوا عليه اسم :
الفارة .. وعالمياً ، ( الماوس ) ..!
بالفارة ، والنقر، تأتي بالعالم وعلومه إلى شاشة كمبيوترك ، أو تنتقل إلى فضاءات العلوم والمعارف، والثقافات ، والاتصالات ، و.. حدّث ولا يصيبنّك حرج ..!
بالنقر ، وتحريك السهم ، ثم النقر – وبلحظة – تكون في أقصى الشرق فتتحول إلى الغرب الأقصى.. ومن مركز الكرة الأرضية في القطب الشمالي إلى القارة الجنوبية المتجمدة ..!
فارة عجيبة ، غريبة ، ولكن إلى زمن ..؟!
التقدم التقني – المذهل ، والسريع – أزاح دور الفارة شيئاً فشيئاً عن الحضور والوجود.. وتضاءل حجم التقانة ، وتكثّف لتجتمع الميزات الكمبيوترية في جهاز صغير محمول ، وهو الهاتف المحمول ( الجوّال ) .. ومع ظهور الأجيال المتلاحقة – سريعاً – تزداد الميزات ، وتكبر وتتوسع الفعاليات في غياب تام للفأرة – الماوس – واستمرار وبقاء لحالة ( النقر ) وهذه المرة بالأصابع ..!
كانت الفارة شغّالة ، والنقر شغّال بلا منقار..!
الآن .. النقر شغّال بالأنامل ، وهي الأخرى من غير منقار ..!
نقر في الليل والنهار ليس للحبوب التي تأكلها الطيور الداجنة كالدجاجة والعصفور ..!
وليس للّحوم التي تنهشها الطيور الجارحة كالصقور والنسور ..!
في خضمّ النقر الهائج ، المائج .. المتزاحم ، المتلاطم .. ترى وتسمع نتائج نقرات هادرة صادرة وما يوائمها ويناسبها ، أو يخالفها ويعارضها من ردود وإجابات واردة صاخبة ثائرة ، أوهادئة فاترة ..!
نقر وتنقير – من غير مناقير – دائمين ، دائبين ليس على قدم وساق ، بل على أكفّ وأنامل لاتعرف الكلل ولا تتعرّف على الملل ..ولا تدرك معنى الفتور أو الضمور ، أبعدكم الله عن الشرور ، ووهبكم ما ترغبون من السرور والحبور.. وسدّد نقراتكم ، وأنالكم رغباتكم.. شرط أن تكون على طريق الخير العميم ، والدرب السليم ، القويم ..!
غزوان سعيد