للسينما بريق أخاذ يخطف الأفئدة والعقول ,وهذا السحر الذي حرض الكتاب والمخرجين والفنانين على تقديم أحلامهم ورؤاهم,فاجتهدوا بابتكار لغة بصرية مذهلة تخلد ذكراهم وتخلد حضورهم من خلال أعمال رفيعة المستوى تحمل المضمون والتكنيك السينمائي .
العقاد يجمع العمالقة…
لقد استطاع المخرج العربي السوري العالمي مصطفى العقاد أن يجمع في فيلم (الرسالة) قامتين كبيرتين في عالم السينما والدراما العربية والعالمية وهما الفنان العربي الكبير عبد الله غيث والفنان العالمي أنطوني كوين , لأن هذا الفيلم صور منه نسختين ,بالعربية والإنكليزية ,وكلاهما يؤديان شخصية الحمزة عم الرسول الكريم (ص) .
وتم تصوير هذا العمل السينمائي الكبير في المغرب ,وكان يبني مشهداً يقارب (الكعبة الشريفة) فيصور المشهد العربي ,ومن ثم يتم إعادة التصوير للمشهد الغربي (الإنكليزي) ,أو يتم العكس ,ولقد تحدث الفنان عبد الله غيث عن مخاوفه من لقاء النجم العالمي أنطوني كوين ,من خلال برنامج متلفز ,فباح بأسرار اللقاء الأول ,يقول عبد الله غيث : قلت لنفسي سوف أراقب هذا النجم العالمي كيف سيؤدي تفاصيل هذه الشخصية العظيمة (الحمزة)في كل مشهد وأستفيد من خبرته العالية ,كي أكون قريباً منه في هذه المنافسة ,ولكن المفاجأة التي أذهلتني عندما طلب مني أن أؤدي المشهد الأول أمامه وقبله ,وعندما سألته عن السبب ,قال (انطوني كوين): إن شخصية الحمزة هي شخصية عربية وإسلامية وأنت عربي ومسلم, فأنت تعرف أكثر مني عن هذه الشخصية وأنت ابن هذه الحضارة العربية الإسلامية ,فأنت أقدر مني على رسم جمال ومفردات هذه الشخصية العظيمة .
يقول عبد الله غيث أخجلني وأربكني ,نعم أنا ابن هذه الحضارة العريقة ,ويجب أن أثبت له هذا ,وفعلاً تم تصوير المشهد الأول قرب الكعبة الشريفة ,وهو يراقبني بشغف ,واستطعت أن أؤدي هذا المشهد ,دون أن يحدث أي خطأ صغير ,وعندما وقف أنطوني كوين في المشهد ذاته ,توقف التصوير ثلاث مرات لأخطاء بسيطة .
في المؤتمر الصحفي بعد انتهاء الفيلم قيل لأنطوني كوين: ما رأيك بالفنان عبد الله غيث الذي نافسك بأداء ذات الشخصية , فرد عليهم بدعابة : أحمد الله بأن عبد الله غيث لايتقن الإنكليزية وإلا لن يترك لنا فرصة للعمل بالسينما ,فما كان من عبد الله غيث إلا أن قال وأنا احمد الله بأنك لا تتقن العربية وإلا أصبحت عاطلاً عن العمل في السينما والدراما .
ولن ننسى بأن الفنانة السورية الكبيرة منى واصف هي من أدت دور (هند بنت عتبة ) في النسخة العربية ,وقابلتها في النسخة (الإنكليزية) الفنانة العالمية إيرين باباس ,حتى إن بعض نقاد الغرب والعرب صرح بأن الفنانة الكبيرة منى واصف قد تفوقت على الفنانة العالمية إيرين باباس ,وأعتقد أنها في حال علمت بمثل هذا فلن تتردد بقول: إن شخصية (هند بنت عتبة) هي عربية وإسلامية .وكون منى واصف ابنة هذه الحضارة ,فبداهة أن تتفوق بهذا الدور ,وأنا شاهدت النسختين العربية والإنكليزية ,وبعيداً عن أي مؤثرات جانبية ,وأنا من المعجبين كثيراً بالفنانة العالمية إيرين باباس وبعيداً عن أي موقف شوفيني ,أرى أن الفنانة منى واصف بهذا الدور حلقت بعيداً عن الفنانة العالمية إيرين باباس رغم الحضور المدهش لباباس في السينما العالمية وخصوصاً دورها في فيلم (عمر المختار ) الذي أبدعه الفنان الكبير الراحل مصطفى العقاد . برحيل العقاد أمست الساحة الفنية والسينمائية مظلمة ,ولم يخترق المشهد السينمائي فنان بعظمته وإبداعه يبدد ظلمة الفيلم العربي العالمي .
تلك هي أخلاق وسلوك العمالقة الكبار ,يتنافسون ويتعلمون من بعضهم الرفعة و التواضع ,يتنافسون في تقديم الأجمل والأرقى ,لأن ذاكرة السينما تحتفظ بأسماء العمالقة فقط .
محمد أحمد خوجة