عن الحكايات الشعبية العاطفــة و.. الفكـر و.. الخيــال و..الــرؤيا

إن الحكايات الشعبية كلّها، ومثلها الحكايات الخرافية والأساطير ، هي بكل تأكيد بقايا للمعتقدات الشعبية، كما أنها بقايا تأملات الشعب الحسّية وبقايا قواه وخبراته حينما كان الإنسان يحلم لأنه لم يكن يعرف، أو لم يكن يؤثر فيما حوله بروح ساذجة غير منقسمة على نفسها(!) ويمكن أن نضيف هنا إلى ماتقدم بتعريف لمصطلح الحكاية الشعبية لنقول: إنها جديدة لا بالقياس إلى الأدب العربي وحده. بل بالقياس إلى الآداب العالمية أيضاً، ذلك لأنّ وصف السرد القصصي بالشعبية إنما كان استجابة مباشرة للإحساس بالحاجة إلى ضرب من التمييز بين إطار قصصي أدبي وآخر يتسم بالحرية والمرونة ومسايرة العقول والأمزجة والأهواء ، والمواقف(!) .
وقد تتوافر بعض الخصائص التي تتمتع بها حكايات شعبية في مكان مالاتتوافر في مكان آخر ، وعلى الرغم من هذا فإنّ الحكاية الشعبية هي:
ـ الحادثة التي تنشأ في المجتمع، وترتبط بثقافاته وعاداته وتحمل بين طياتها التقاليد والعادات والنظم السائدة ، وتكشف عن حياة شعب من الشعوب عاشها في هذه الفترة(!)
وتتميّز الحكايات الشعبية ببعض الخصائص الرئيسة التي تميزها عن أي لون من ألوان التعبير في الأدب الشعبي ،إذ أنها : «ردّ فعل للظلم الواقع على المضطهدين»!..
إنها بيئة يسيطر عليها السادة، ويحققون رغباتهم.! ويوجد دائماً من يساعد البطل في هجومه أو دفاعه .. وهذه المساعدة هي الفضيلة الرئيسية التي تفوق كل النزعات الأخرى فالقوى الخارقة للطبيعة تساعد الضعيف والفقير والطفل(!!) ..
وعلى هذا يمكن القول:
ـ إن الحكاية الشعبية دائماً تجد لها من المهتمين من أبناء الشعب، لأنها تعيدهم إلى واقعهم الذي يعيشونه .. بمعنى آخر:
إن الحكاية الشعبية تقف إلى جوار الطبقة المغلوبة على أمرها.
بل تمدّهم ـ أحياناً ـ بالعون إلى تحقيق مايصبون إليه أو يحلمون به .. أو يتطلعون من خلاله إلى أهدافهم(!!!).
تتميز الحكاية الشعبية بأنها تنتقل من مكان إلى مكان عن طريق الرواية الشفهية .. بمعنى آخر: عن طريق الراوي الذي يردّدها حسبما تسعفه الذاكرة!!
وكثيراً مايضاف إلى الحكاية أو يحذف منها .. أو ربما يحكيها الراوي كما سمعها!!
ويمكن القول: إن الحكاية الشعبية ليست شيئاً جامداً بل هي مادة مرنة تخضع لعوامل التطور مما يضفي عليها صفة المرونة(!)
أيضاً تتميز الحكاية الشعبية بأنها:
ـ ليست مجرد حكاية للترفيه بل هي أيضاً مرآة العصر لأفكار الشعوب !ٍ
ـ وهي ذات هدف(حكاية عنترة العبسي مثلاً تحلّل مشكلة الرقّ في الجاهلية)!!
ـ وتلح الحكاية الشعبية على أن الشرف أو النبل ليس مصدره الحسب والنسب بل عظمة الشخصية ومكانة السجايا والخلق الكريم..
وبعامة يمكن القول أيضاً:
ـ إن الحكاية الشعبية نوع قصصي ليس له مؤلف ، لأنه حاصل ضرب عدد كبير من ألوان السرد القصصي الشفاهي الذي يضفي عليه الرواة أو يحورون فيه أو يقتطعون منه، وهو يعبر عن جواني من شخصية الجماعة، لذا يعد نسبهُ إلى مؤلّف معين نوعاً من الانتحال ولكن يظل في طبيعته شعبياً(!).
و.. تدور الحكايات الشعبية حول أحداث وأشخاص أبدعها خيال الشعب، وهي ترتبط بأفكار وأزمنة وموضوعات وتجارب إنسانية ذات علاقة بحياة الإنسان، وهي في العادة لاتخرج عما هو سائد في الحياة، وتقلباتها ومصائرها..
إنّ الهدف من الحكايات الشعبية هو:
ـ تأصيل القيم ، وتأصيل العلاقات الاجتماعية .. وبمعنى آخر الحكايات الشعبية ـ على الأغلب الأعم ـ هي ملتزمة ..إذ كل حكاية تنطوي على معنى أو نمط سلوكي تريد له أن يتحقق أو آخر تريد له أن ينبذ(!!).
ظهرت الحكايات الشعبية المروية قبل عصر التاريخ بآماد بعيدة. وظلت الشعوب تتناقلها جيلاً بعد جيل .. وقد احتلّت موقع الصدارة بين الفنون التي تذوّقها الإنسان، وعبر فيها عن عواطفه وأفكاره وأخيلته ونظراته وأحلامه وتطلعاته..
لذا فالحكايات الشعبية تفصح إلى حد ما عن مضمون العاطفة والفكر والخيال والرؤيا. ولايمكن أن نتصور شعباً لاحكايات شعبية له .. بل لايمكن أن نتخيل أنّ هناك أمّة لاتعتدّ بتراثها الشعبي أو أن تضرب صفحاً عن تراثها التليد و.. الأصيل.. العريق!.

نزار نجار

المزيد...
آخر الأخبار