أما آن الأوان لنتحرر من دراما الشاميات!

في عام 1992 تم إنتاج مسلسل (أيام شامية) وهو من إنتاج الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون العربي السوري ,قصة وسيناريو وحوارالكاتب أكرم شريم ، وكانت التجربة الدرامية الأولى للمخرج بسام الملا ,ولقد ترك مساحة شاسعة للحوار بين(مؤيد ومعارض) عندما عرض على الشاشة الوطنية السورية أو في محطات عربية .
وكرت السبحة ….
وبعدها توالت الأعمال التي تنهل من البيئة الشامية (كما يدعون) كما يتخيلها كاتب لا يعرف عن الشام إلا كل ما يجافي الحقيقية ويشوه وجهها الحضاري ,بل وباتت المفردات الدخيلة مثل (أمور ابن عمي) وما شابه مفردات تسيء للمرأة والعائلة والمجتمع السوري ,وبات أولادنا الصغار وبعض الكبار يرددونها بطريقة ببغائية مزعجة ,ومما ساعد في انتشار هذا النوع الدرامي تبني بعض المحطات الخليجية لإنتاج بعض الأعمال مثلما حدث مع (باب الحارة )الذي يصر أن يصل للجزء التسعين ,إن المتابع العادي والمهتم بالمشهد الدرامي يكتشف دون عناء بأن هذه الأعمال العنترية بخطابها الأجوف(رجالها) وثرثرة ( نسائها) لا تمت بصلة لرجال ونساء المجتمع السوري الذي أنجب لنا رجالات نعتز بوعيهم وفكرهم النير,والمزعج أكثر ,بعد انتهاء عرض عمل ما من هذه النوعية أنك تسأل الكاتب والمخرج عن الزمن الذي دارت به أحداث عملهم فينبري قائلاً : نحن لا ندون ولا نتعرض لزمن محدد ,ولا يعنينا مرحلة تاريخية ما ,ذكرني هذا بأعمال درامية حملت سمة (الفنتازيا) مثل الجوارح والكواسر …و…و , نعم هي فنتازيا الخواء المتحررة من كل شيء وأي شيء ,لا تاريخ ولا جغرافيا ,حتى شخصيات العمل هي منفلتة من أي ضوابط إنسانية أو روحية ,شخصيات تحتكم للقوة العمياء في إثبات حضورها وسيادتها على الآخر .
تشويه متعمد
قد يرى البعض أن من حق شركات الإنتاج أن تقدم هذا الشكل الفني,طبعاً يجب ألا ننسى بأن هذه الشركات تحقق أراحاً خيالية ,لأن أكثر المحطات الفضائية تسارع لشراء وعرض هذه النوعية من الأعمال المجهولة النسب التاريخي والإنساني ,ولأن هذا الشكل الفني يلقى رواجاً في الشارع العربي ,بل ويذهب البعض بأن أعلى نسبة مشاهدة كانت من نصيب (باب الحارة) ,ويجب أن نذكرهم بأن المسلسل المكسيكي (كاساندرا) قد تجاوز في نسبة المشاهدة باب الحارة ,وكاساندرا لا تمت لنا بصلة حتى على الصعيد الإنساني ,إن هذا التشويه المتعمد ,سواء كان بوعي أو بلا وعي هو تشويه للشام بكل ما تحمله من إرث عظيم ,فهل يعقل بأن دمشق التي كانت عاصمة الدنيا تنجب أحفاداً يتعاركون على أشياء تافهة وبعيدة عن جوهر الحياة ,هذا النمط من السلوك المتخلف يكرس عقلية أكثر تخلفاً (رجالاً ونساءً) ونحن على عتبة القرن الواحد والعشرين .
كيف الخروج من هذا……….؟
هي وصفة ليست سحرية ولكن أعتقد بأنها تحمل شيئاً من الصواب ,فمن يقرأ تاريخنا القديم والحديث ,ومن يقرأ الواقع المتشظي بشكل مأساوي ,يكتشف دون عناء بأنه يستطيع أن يبدع عن الإنسان المعاصر آلاف الأعمال الدرامية التي تحمل قيمة فنية وإنسانية ,نستطيع تقديم دراما اجتماعية , كما قدمها بشكل إذاعي القاص الشعبي حكمت محسن (أبو رشدي ) وعندما سئل من أين تسطر هذه الحلقات؟ قال لهم ببساطة : من الشارع , وعندما قيل له: ألا تخشى بألا تجد ما تقوله فيما ؟ قال : طالما هناك أناس يمشون في الشارع الحكايات لن تنضب , فمن أراد أن يكتب نصوصاً درامية تقارب قليلاً هموم الإنسان فليترك برجه العاجي وينزل للشارع و ينبش في زوايا المجتمع العربي الذي يعيش حالة من البؤس الشديد ,دراما تنتصر لآلام وشقاء الإنسان المعاصر المحاصر بلقمة عيشه وخوفه من مستقبل مبهم , دراما تسطر أحلام المواطن الذي ينشد السلام والآمان .

محمد أحمد خوجة

المزيد...
آخر الأخبار