إلى وطني رجوعي

أيتها الحمامة المنسية ، ها هو الشتاء يعاني المخاض الأخير ، ينحني ، يتسوّل يقرع بيديه المعروقتين الأبواب الصدئة .أيتها الغجرية الغافية .. بلا وسادة ولا لحاف ، وحتى بلا أحلام .. على ضفاف العاصي !– يا قنديلاً باهتاً .. في زوايا الميماس ! هاهي المواويل توشوش خدود الصفصاف والنيران تضيء دروبي ، مالي أراك عنيدة وناعمة ، ومهوى الباحثين عن اللذة ، عن الحياة ، بين أغمار الحصاد المجندله !
سأنام على رخامك الجليدي ، الوردي ، وأداعب جديلتيك المقهورتين ، وأعد على صدرك الخجول من غمزات وتأوهات الحبق .. خطوات الشتاء المرتجفة ، وأدفن وجهي .. المشوي بلهيب شمس تموز في حضنك الريان .. وأنشد لعينيك الزَّائغتين أنشودة الحرية ، وأغاني البيادر .. الناطرة ..!
عيناك مشروعا قتال
وصدرك الناري
جبهة .. بلا رحمه .
في ليلة ضريرة النجوم ، وحين ينعس القمر بحضن ثرياه ، أيتها الراهبة في زوايا القدر ..! كفي عن الصراخ والعويل ! نريد خبزاً .. ونبيذاً نعطر العالم ! نزرعه بالحب والسلام ! وسياجاً من غصون الزيتون ! بعدها لن أصغي للريح ، وهي تحمل لي بكاء القبور ، سأبعثر أوراقي الصفراء في الأزقة الغريقة بالنحيب ، وأغمرك بالحرير والبخور ، وأرسل تنهداتي إلى الأحباب إلى روائح الزيزفون ، وتلك الوجوه المرشوشة بالندى الحيران ..
سأهجر رخامك العاري إلى الأبد ، كما تهجر السنونو سماء بلادي ، وأرقد بين الغابات ، أحفر اسمك في لحاء قلبي ..
حروفاً نافرة .. غازلاً من أشواقي شالاً أزرق وقبعة من شقائق النعمان ،ومنديلاً مطرزاً بأشعاري البلعاسية .
لا تبكيني.. ياصغيرتي الأميرة! فأنا ظمآن لريقك الناشف ، ورموش عينيك كما عهدتها .. كالحراب في أساطيري البابلية سأحمل إليك بعضاً من قصائدي وحفنة من دموعي ، وأرش دروبك الغبارية بيدراً من كلمات الغزل الملعون ، لأنني يا راهبتي !لست من الذين يحبون ، أو يتصنعون الحب العذري ، لست مريضاً ولا معقداً ولا .. ينتابني اليأس أو تجتاحني الكآبة ، فأنا من طين بلادي ،أاتنفس العناد ، ولن أطأطىء هامتي إلا للوطن الجميل .
لا تلوميني يا زيزفونات بلادي ! ما زال عندي بعض من أغصان ، أدماها اليباس وهرهر زهرها الاشتياق . قطفت غصناً من الحب من سياج محبتكم ، فهل هذا حرام ..؟ فإلى وطني رجوعي مرة أخرى لأكمل قصائد حبي .
وأنا بانتظار تلويحة أيديكم وهمسات قلوبكم ..!!

خضر عكاري

المزيد...
آخر الأخبار