الكتاب الورقي نغم وهم

يروّج الناس في هذه الأيام لمقولة إن الكتاب الورقي فقد قيمته وأهميته ، وأن الكتاب الإلكتروني حل محله تماماً ، معتمدين على تراجع القراءة بشكل عام وخاصة في عالمنا العربي، وعلى إغلاق الكثير من المكتبات ودور النشر ، وتراجع طباعة الكتب بشكل عام .
إن تراجع القراءة ليس سببه منافسة الكتاب الإلكتروني ، الذي أجمع كل من يهتم بالقراءة أنهم لا يرتاحون للقراءة فيه ، من حيث تعب البصر أولاً، وطبيعة القراءة به ثانياً ، والتي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تحل محل القراءة في كتاب ورقي تظل له طقوسه الجميلة .
إن التراجع له أسبابه ، ربما كان بعضها اقتصادياً ، وبعضها الآخر منافسة مواقع التواصل الاجتماعي التي شغلت الناس وملأت أوقاتهم بما لا يفيد في الغالب وباستثناءات قليلة .
لقد صار سعر الكتب عائقاً حقيقياً أمام طبقة القرّاء، وجلّهم من ذوي الدخل المحدود ، دخل تراجع كثيراً خلال السنوات الأخيرة ليس في سورية وحدها، بل في معظم بلادنا العربية والإسلامية غير النفطية . ولكن بدائل حقيقية موجودة يمكننا من خلالها قراءة الكتاب دون شرائه ، فالمكتبات العامة موجودة وبها تنويع كبير ونظام الإعارة فيها سهل ، وصار الكثير من المكتبات الخاصة تعمل بمبدأ الإعارة أيضاً مقابل رسوم قليلة .
أما مكتبات البيوت الخاصة فالأمر فيها يعود لصاحبها الذي يرغب، ولا شك بأن يطلع أكبر عدد ممكن من أصدقائه ومعارفه على كتب موجودة لديه ، ولكن ما يحجمه عن ذلك هو إهمال عادة إعادة الكتاب والعناية به ، وربما الامتناع نهائياً عن إعادة الكتاب في كثير من الأحيان ، وفي أحيان أخرى يعود الكتاب محطماً ، يشير مظهره العام وكأنه خاض حرباً عالمية .
ولأني شخصياً أملك مكتبة خاصة مهمة في منزلي ، فلي معاناتي في هذا المجال ، كتب سرقت من أصدقاء يعتبرون سرقة الكتاب حلالاً أو بطولة ، وكتب استعارها أصدقاء وسوفوا في إعادتها ، أو احتجوا بفقدانها من بيوتهم ، وآخرون أعادوها وقد فقدت غلافها أو تلوثت بماء أو بمواد أخرى أو تشققت بعض أوراقها ، فعلقت في صدر المكتبة بيتين من الشعر يخصان الأمر :
ألا يا مستعير الكتب دعني فإن إعارتي للكتْب عارُ
فمحبوبي من الدنيا كتاب فهل ألفيت محبوباً يعارُ
وعملت على إلغاء الإعارة نهائياً ، وأنهيت صداقة مع أولئك الذين قدموا حججاً واهية ولم يعيدوا الكتاب المستعار ، خاصة إذا كان الكتاب غير موجود الآن في المكتبات لشراء بديل عنه .
لكن ذلك لم يدم طويلاً ، إذ إن أي محتاج للكتاب صار يحرجني ويجعلني أندم على قراري ، ثم يدفعني لتقديم الكتاب الذي يحتاجه متحملاً النتائج أياً كانت ، ومعلناً أن الكتب لا تقتنى كي ترتب على رفوف وكأنها للزينة ، بل كي تقرأ وتتم الاستفادة من مضمونها . وبشكل خاص لأولئك الذين تعيقهم ظروفهم الاقتصادية عن الشراء ، أو قد لا يجدون الكتاب المطلوب بسبب قدم طبعه ونفاده من المكتبات .
الكتاب الورقي بخير ، ولا تزال دور النشر تعمل وإن بطباعة كميات أقل ، ولا تزال الجهات المعنية تعطي تراخيص لدور نشر جديدة ، ولا تزال معارض الكتب تقام حتى على مستوى البلدات الصغيرة , وفترة الحرب على سورية ليست مقاساً ، إذ إنه بمجرد عودة الناس إلى طبيعتها عادت لاهتماماتها . وأتابع عن كثب أرقام مبيعات جيدة في معارض تقام في مدن كبرى وعواصم ، ولا تقل لي هي كتب التنجيم والطبخ وغيرها من كتب لا تنتج ثقافة أو أدباً ، فلا يزال هناك من يشتري كتب الثقافة والأدب ، وإذا لم يتمكن من الشراء يقرأ بطرق أخرى نوهنا عنها ..
لا يزال الكتاب الورقي مطلوباً ، وسيعود إلى ألقه الكامل مع انتهاء أزماتنا التي افتعلها أعداء الحياة والإنسانية في عالمنا .

محمد عزوز

المزيد...
آخر الأخبار