لا أعرف متى بالتحديد ، ولكني اذكر تماماً أن ثمة مرحلة في حياتي تجلى أكبر همي فيها بالطهر والنقاء وتملكني هاجس التعفف والتسامي ، فوجدتني منصرفاً في المأكل إلى النبات بأوراقه وثماره وخضاره وجذوره مقتصراً فيه أيضاً على ما يمكن تناوله دون أن تمسسه نار .
وفي المشرب على ما كان أطهر الطهر وأطيب الطيب الماء، وفي الملبس على ما كان من خالص القطن أو الكتان حتى فكرت أن تكون عباءة من القنب استنكر بدعتها الخياط ، وفي المسكن على كوخ من قش وقصب وسقف وبعض من لحاء الأشجار، واقتضى الأمر مني تشجيعاً وحثاً وحصَّناً وترغيباً للنفس النطاطة فوق الجدران، وتدريباً وجداً وكدحاً وممارسة وطول أناة وصبراً ومراناً ، فإذا أنا بعد اليوم السابع عقب مرور عقود سبعة وقرنين من الأيام أرى مني نقي العظم زجاجاً شفافاً خالص النقاء بإمكاني أن أتبين من خلاله بوضوح ما وراءه .
سمير الناصر