إن اللافت والجوهري في «تغريدات للوطن» للكاتب المؤلف محمد مخلص حمشو في تغريداته أنها تنتمي انتماء واضحاً إلى بنية النص المفتوح، وذلك أن «النص المفتوح» في ذاته يأخذ من كل الأجناس الأدبية , إذ بدا تألّق الكاتب من الارتكاز إلى الخاطرة التي لا تخلو من الدفقات الشعرية وبنية القصة القصيرة والرواية والومضة المدهشة .
وتنبع أهمية «النص المفتوح» من أنه المصير الذي سوف تنحو نحوه الأجناس الأدبية في العالم، وهذا ما ظهر جليّاً في الكثير من دول العالم، لاسيما تلك المنظومة الأدبية الأوروبية، حيث راح الكاتب يقطع الصلات بالأجناس الأدبية كافة، ويفتحها على بعضها بعضاً ليصنع منها نصاً جمالياً فنياً راقي المستوى يُدعى النص المفتوح .
والواضح أن الكاتب استطاع بكل اقتدار توظيف الموروث الشعبي القريب نسبيا في تغريداته , الأمر الذي أضفى على تغريداته سمة الدفء المعنوي , وأكسب تلك التغريدات حاملاً اجتماعيا هو الأساس في الحامل الجمالي الذي تتوخاه النصوص المفتوحة المنتمية إلى أجناس أدبية متعددة .
أضف إلى ذلك أن ذلك الموروث الشعبي قد عمل على إضفاء مستوى أقرب إلى التناص الذي تشهده الساحة الأدبية العالمية , وهذا التناص جاء في مكانه بصورة متلاحمة داخل التغريدات التي أبدع فيها الكاتب محمد مخلص حمشو .
ولاريب أن الصياغة العامة للتغريدات تحمل هموماً اجتماعية ثقافية سياسية قريبة من أزمة الفرد العربي التي مازال كل واحد منا يعيشها في ظل الظروف الراهنة وغير الراهنة، الأمر الذي جعل المتلقي على صلة وثيقة بهذا النوع من الكتابة .
على أن المتلقي يشهد بصورة واضحة تلك البنية الدرامية المتصاعدة في نصوص المؤلف المبدع محمد مخلص حمشو ، إذ تتصاعد الأحداث بصورة متسارعة حتى الذروة ’ ذلك الذي يجعل المتلقي في حالة انقباض جليلة وصولاً إلى نهاية التغريدة ، والبنية الدرامية هنا قد أكسبت هذه التغريدات وعياً جمالياً متميزاً واضح المعالم , يأخذ من التاريخ القريب المعاصر مكوناته الفنية المتميزة .
لقد ظهرت الدراما مادة متلاحمة أو مادة لا انفصام فيها مرتبطة بفن المسرح , ولكم عالم الأدب استطاع أن ينقل الدراما إلى الأجناس الأدبية الأخرى , لاسيما الشعر العربي الحديث وهنا نقطة مضيئة أيضاً تُسجَّل لصالح المبدع محمد مخلص حمشو .
وفي الإطار ذاته علينا أن ندرك أن الانتقال الدرامي لدى المؤلف كان سريعاً ومباغتاً من مستوى إلى آخر , وهذا يعني وجود حالة من التكثيف الفني الراقي الذي يجعل التغريدات تدخل صلب الحياة الاجتماعية وتعالجها معالجة فعّالة صادقة ’ تجعل المتلّقي يدور في دوامة الصراع الذي يعيشه الفرد المعاصر .
ولابد لنا هنا من التذكير أن «التغريدات» في مجملها لم تأخذ الطابع المطوَّل بقدرما أخذت طابع الومضة واللقطة المكثفة الأبعاد , مما يشير إلى نجاح المؤلف في اختراق الأجناس الأدبية والميل إلى منظومة أدبية جديدة , ووعي مجالي غاية في النضج ، لا يستكين إلى الفكر التقليدي الذي عايشناه مطوَّلاً .
أما المرحلة الأكثر سطوعاً في تغريدات الكاتب «محمد مخلص حمشو» على الصعيد الجمالي فهي إظهار مفاهيم /القبيح والجميل / في المجتمع المعاصر، والجدير ذكره هنا أن الحالة القبيحة على صراع تام مع متطلبات الجميل في حياتنا المعاصرة.
إن ذلك الصراع السابق بين «قيم الجمال» و «قيم القبيح» في المجتمع توَّلد توتراً نفسياً شديد التباين بين المستوى الصحيح المثالي والمستوى غير المثالي الذي تعيشه طبقة كبيرة من المجتمع , وهنا مكمن السر الذي جعل ذلك الصراع المنشأ الطبيعي للبنية الدرامية المتنامية والمتصاعدة ’ ولعلنا لا نستطيع إلا أن ندرك أن القبيح قد سيطر على مفاصل متعددة في الحياة الاجتماعية التي أظهرتها التغريدات الماثلة أمامنا .
وبناءً على ما مضى فإننا على يقين أننا أمام بنية فنية جديدة متجددّة قام المؤلف بإتقانها بصورة كبيرة مستفيداً من متطلبات العصر ومن متطلبات الموروث الشعبي الذي لعب دوراً هاماً في البنية الجمالية، لهذا لابد لنا من القول: إننا أمام مرحلة فنية أدبية جمالية جديدة تلعب فيها الأجناس الأدبية كافة دور النص المفتوح الذي استطاع الكاتب بتقنية عالية أن يضع النقاط المطلوبة على الحروف المطلوبة.
د. ماجد قاروط