قرأت قبل أيام كتاباً يتحدث فيه مؤلفه عن جرائم المستعمر الغربي في الوطن العربي , فاسترعت انتباهي فيه حادثة ارتكبها البريطانيون في مصر عام 1906وهي ماعرف بحادثة ( دنشواي ) هذه القرية الصغيرة الوادعة في صعيد مصر التي أمر – حينها – المندوب البريطاني (كرومر) قواته بإعدام عدد من أهلها , وتعذيب الآخرين أمام أنظار أهلهم ليقمعهم , ويدب الذعر في قلوبهم … والحادثة معروفة لدى المثقفين , والمؤرخين .. ولكن مالم يعرفه الكثيرون من المثقفين , موقف المثقف والأديب , والكاتب البريطاني من هذه الجريمة ….
فالكاتب الكبير ( برناردشو ) لم يسكت بل أقام الدنيا ولم يقعدها ، وطالب الحكومة البريطانية بعزل المجرم ( اللورد كرومر) فتم له ماأراد , وطرد من منصبه , هذا الكاتب البريطاني العظيم يمثل موقف الكتّاب والأدباء والمثقفين من الجرائم التي ترتكبها حكوماتهم بحق الشعوب المستضعفة .. في وقت لم يكن هناك تلفاز , أو فضائيات تنقل مايجري في العالم من جرائم مروِّعة مباشرة على شاشاتها , بل كانت الصحف هي الوسيلة الوحيدة لنقل الأخبار .
إن موقفاً رائعاً كهذا جعلني أتساءل : أين هم الكتّاب والأدباء في الولايات المتحدة الأمريكية ؟أين أصواتهم التي ينبغي أن ترتفع في وجه حكومتهم , وتحرك الجماهير لردع تلك الحكومة عن ممارسة الدور الإجرامي الذي تقوم به في العالم ؟ ألم يشاهدوا عبر القنوات الفضائية سفك دماء السوريين على يد الجماعات الإرهابية التي تساندها الولايات المتحدة الأمريكية ؟ ألم يشاهدوا الوجوه المبرقعة , والأيادي الملوثة بدماء الأبرياء وهي تقطع الرؤوس , وتشعل النيران بالأحياء ؟ ألم تؤذهم مناظر قتل الشعب الفلسطيني , والتنكيل به من قبل العدو الصهيوني , ومايقوم به من اعتداء تلو الآخر بقصف سورية الصامدة منذ سنوات بوجه المؤامرة الكبرى التي تتعرض لها على أيدي مجرمين مدعومين من بعض العرب ,وغير العرب تجمعوا فيها من كل بقاع الأرض ؟ وأين هم كتّاب ,وأدباء ,ومثقفو الدول الغربية ,وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا اللتان لا تزالان تدعمان الإرهاب والإرهابيين في سورية ؟ !
أما آن لهم أن يشعروا بمسؤولية الكاتب ، والمثقف ، والأديب تجاه الشعوب والإنسانية جمعاء ؟ ألم يدركوا بَعْدُ أن النار قد بدأت بالوصول إليهم ؟ ! أما آن لهم أن يستيقظوا من غفوتهم بل سباتهم العميق ؟ ! إن المثقف الحقيقي , والكاتب الحقيقي ,هو الذي يؤمن بأن الكاتب ينبغي ألا يكون شاهداً على ما يجري أمامه فحسب , بل ينبغي عليه أن يكون صاحب رسالة ,ورسالته تقضي أن يكون معلماً ,ومنوراً ، وعليه أن يسمو على الجراح ,وأن يكون بلسماً للمعذبين ,وأن يكون مناضلاً من أجل إنسانية الإنسان التي فقدها كثيرون في هذه الأيام . وما أجمل قول (فرنسيس بيكون) : ( إذا ما أقصي الإنسان بعيداً عن العالم ,فإن ما يتبقى منه سيبدو ضالاً , ودون هدف ,أو غرض ,سيفضي إلى اللاشيء) .
د.موفق السراج