كنا صغاراً في مدرسة الكافات بمنطقة سلمية وكان أستاذنا (أبو نعيم) أحمد الحكيم- رحمه الله! وطنياً بامتياز، ومع الدرس الصباحي الأول كنا نحمل بنادق خشبية كان يهتف أمامنا ونحن نسير خلفه: على قدم – حيّو العلم- مجد البلاد له قفوت- به اهتفوا في كل نادْ- رب احمع- في سلمه وفي الجهاد.. ثم يردف قائلاً: وطن بالحق نؤيده- وبعون الله نشيّده- فنحسّنه- ونزيّنه- بسواعدنا- ومآقينا- وقبل أن ننصرف من الدرس الصباحي الذي هو لتحية العلم: كان يقول: هذا الوطن حق له أن يفتدى بالدما والمهج: عارً علينا أن ننام ونصنع مجداً لن يضاع. هبو ولو ذقنا الحمم بالروح نفدي ذا الوطن: هذا الوطن!..
كان هذا في عام( 1933-1945م) قبل استقلال سورية الحبيبة وهذا العلم الذي نجلّه بالوانه الحمراء والسوداء والبيضاء ونجمتاه الخضراوان هو علم سورية ورمز للوحدة العربية المنشودة، وكما قال الشاعر:
عش هكذا في علوّ أيها العلم
فإننا بك بعد الله نعتصم
وقد كتبت هذا الحوار الذي صورته بين الصخر والرياح:
إذ قالت الصخرة: أنا أحمل هذه الراية بأناملي ماسكة بها بجذوري إلى الأبد ولن أفرّط بها مهما عصفت الرياح لأنها هي الروح من الجسد، سمعت الريح وقالت: أيتها الصخرة عليك أن تتمسكي بها جيداً وأن تكوني من أصحاب تلك الراية؟ أما أنا أيتها الصخرة فأحملها على جناحي وأصونها كما تصون الأم رضيعها وأذهب بها إلى عنان السماء، كما أنني أحمل على كاهلي تلك الغيوم الماطرة إلى بلاد بعيدة لتسقي الزرع وتحيي الناس والضرع.
ولأن الوطن ليس تراباً وحجارة وأشجاراً وحسب فهو الروح من الجسد والروح لاتوهب للمرء إلا مرة واحدة، سمعت الصخرة ماقالته الريح، وعادت الريح فقبّلت الصخرة قبلة أبدية.
تامر خضر سيفو