لا تختلف زوجة الأب عن غيرها من النساء إلا أنها امراة تزوجت من رجل كان متزوجا قبلها ولديه أطفال, وماتت زوجته أو طلقها وبقي الأطفال في حضانته, ثم تزوج بالتي صارت زوجة أب، فكيف رسخ المجتمع صورة زوجة الأب بالسيئة لدى الأطفال؟ بينما على الطرف الآخر توجد نماذج رائعة لفتيات يعشن مع زوجات أب مثل أمهاتهن تماماً ولكن ورغم ذلك تبقى زوجة الأب دوماً في قفص الاتهام والدليل أن الكثير من الأبناء فور تدخلها في بعض الأمور يرفضونها دون أي سبب ومهما فعلت تظل في الأنظار قاسية.
وبطش وقسوة زوجة الأب وظهورها بمظهر السيدة المتجبرة التي تكره وتستخدم أبناء زوجها بشكل سيئ قد يعود إلى الأساطير والحكايات الشعبية التي نسجتها قصص خيال عن شخصية تلك المرأة، ولا يوجد طفل في العالم لم يقرأ قصة سندريلا أو الأميرة والأقزام السبعة وغيرها من الحكايات التي تبالغ في قسوة زوجة الأب .
لكن وبعد تغير المجتمع وتغير المفاهيم وتغير الحياة هل تغير دور زوجة الأب، وهل تغيرت مشاعر أولاد الزوج تجاهها.
معاناة وقسوة
تتحدث ريم عن معاناتها مع زوجة الأب بالقول: «تزوج ابي من امرأة غريبة بدون مقدمات أو إنذار وتهديد أو بعد شجارات متكررة بينه وبين والدتي التي اضطرتها ظروفها إلى تركنا أنا وإخوتي الخمسة مع والدي وكل يوم مع زوجة أبي كان مراً قاسياً مشوهاً، وسأذكر قصة واحدة حيث شوهت صورتي أمام والدي بادعائها بحبي لابن الجيران لتزوجني من أحد أقربائها زواجاً فاشلاً لازلت أنوء بأعبائه إلى اليوم، وعدا ذلك أجبرتني على ترك المدرسة وكانت تجبرني على القيام بكل أعباء المنزل وأنا في الثامنة من عمري وتوليت رعاية إخوتي الأصغر مني سناً.
ولن أنسى تلك الأيام مع زوجة أبي وأحقد عليها كلما رأيت صديقاتي مدرسات أو موظفات أو ربات بيوت سعيدات أو حتى غير متزوجات.
عماد يصف معاناته ومعاناة أمه وإخوته مع امرأة الأب قائلاً: لقد تولد عندي إحساس مقيت مملوء بالحقد والكراهية الشديدة لامرأة الأب نظراً لمعاناتنا من تلك البلوى التي حلت علينا وهي تحمل اسم زوجة الأب، فبسببها كانت أمي تتعرض للإهانة والشتم والضرب على يد أبي جراء الشكاوى الكيدية التي كانت تقدمها. وتضامننا مع أمنا كان سبباً كافياً لحرماننا من الأكل والمصروف اليومي وغياب فرحة العيد بل وحتى الطرد من البيت الذي شقيت أمي وهي تجمع المال لبنائه، وأضاف وهو يستذكر مرارة تلك الأيام «أن الحرمان والطرد جعلنا ننزل إلى ساحة العمل ونحن صغار وجعلنا نتأخر في دراستنا فمرة ننجح وأخرى نرسب، وكل ذلك بسبب زوجة الأب الصغيرة التي فضلها أبي علينا، وصادر بيتنا لصالحها، لقد كانت لعنة حلت علينا فكثيراً ماكنا نحرم من الطعام لأيام .
صور أخرى
ضحى نقلت لنا صورة أخرى عن شخصية زوجة الأب حيث تقول: تزوج والدي من امرأة في الخامسة والأربعين بعد خمسة أعوام من وفاة والدتي وقد عرضنا عليه نساء كثيرات أقل عمراً وأكثر جمالاً وكان يقول :
«لا أريد دمية بل أريد أماً ثانية لأولادي». وقد تخوفنا منها في البداية لكن وبمرور الزمن أصبحنا أصدقاء وكانت دائماً تقف إلى جانبنا عندما كان والدي يختلف معنا وزوجت اثنتين من أخواتي على معرفتها وكانت كثيراً ما تنفق من مالها الخاص على احتياجاتنا وطالما حفظت أسرارنا وساعدتنا في الدراسة.
أصبحنا كل حياتها واهتماماتها ودائماً كان أقرباؤنا يقولون إن الله عوضنا عن والدتنا ولأن والدي رجل ملتزم وصالح وانتظر طويلاً ليختار الزوجة الصالحة .
أما نور فقالت بعد وفاة والدتي كنت أنزعج حين أسمع من يحدث والدي بضرورة الزواج ولكن مع الوقت زادت الأعباء عليّ فقررنا أن يتزوج وقد كانت تعاملنا كأم حقيقية لنا وهي صديقتنا حتى اليوم وتغدق بالحب والحنان علينا.
وأضافت والدي كان رجلاً مزواجاً وقد تزوج مرتين بعد وفاة والدتي لكنه كان ذو شخصية قوية ومؤثرة وقادر على توازن الأسرة .
وأعتقد أن للأب الأثر الأكبر في توازن الأمور وكلما كان الزوج ضعيفاً وغير واعٍ أعطى فرصة لزوجة الأب بالطغيان فالأثر الأكبر والأهم للرجل .
أفكار مترسخة
النظرة العامة السائدة في مجتمعنا وحسب الموروث الثقافي أن زوجة الأب تمتاز بصفات سلبية خصوصاً بالنسبة للبنات وهذه النظرة التي توارثت عبر الأجيال قد تجد لها مواقع أو مؤشرات ميدانية تؤيد ذلك ولكن ليس بالتعميم على جميع زوجات الآباء فهناك الزوجة العطوف وهذا ما تنقله لنا وقائع الحياة الاجتماعية.
وتقول سمر المختصة بعلم النفس بضرورة رفض ما يقدم من بعض وسائل الإعلام في مقدمتها التلفزيون الذي يعرض أدوار زوجة الأب بطريقة تنتقص من مكانتها وتركز على الجوانب السلبية بشخصيتها ما يثير مشاعر الأبناء وتخوفهم منها بل ترسخ في أذهان الجميع على أنها شخص شرير، في حين أن العكس يجب أن يكون لتغيير هذه الصورة وتقريب المسافة بين أفراد الأسرة الواحدة للحفاظ على التماسك الأسري .
بناء علاقات إيجابية
بالمقابل لا تخلو بعض الأسر من المشكلات المتعلقة بزوجة الأب في مجتمعنا الشرقي لاسيما إذا كان الأب متعاطفاً جداً مع زوجته لدرجة خشيته من تمردها وتركها منزل الزوجية فتميل كفة الميزان لصالحها وهنا يصبح أولاده من زوجته الأولى تحت هامش قاموسه غير المتوازن والضعيف فتتأثر بذلك حياتهم نحو الحقد والكراهية من زوجة أبيهم، لاسيما إذا رزقت بأطفال فتبدأ تعاملهم بقسوة ودون رعاية والحقيقة أن الكثير من الأولاد والأمهات البديلات يبنون علاقات إيجابية تقوم على أساس الاحترام والتقدير والطيبة ولا أنكر من خلال مشاهداتي أن هناك فئة طالها الانحراف والجريمة من جراء تعسف وعنف زوجة الأب غير المتفهمة لدورها والأم الجاهلة لمعنى اليتم والطلاق ولكن الحالات ليست كثيرة إذا ما قورنت بمستوى الحاصل في البيوت لاحتواء الأطفال فاقدي الرعاية الأسرية من أمهاتهم البديلات.
الخلاصة التي نريد الوصول إليها ليست التأكيد بأن زوجات الآباء لسن ملائكة على الإطلاق، أو شياطين على الإطلاق. إنهن بشر طبيعيات، نساء عاديات منهن الفاضلات الطيبات، ومنهن القاسيات الشريرات. كل المطلوب منك إذا وضعك القدر في مواجهة زوجة أب، ألا تبدأ أبداً بالكراهية والعداء.
ازدهار صقور