ما أحوجنا اليوم لروح تشرين ، التي تختزن تبدياتِها في الحياة العامة للبلاد ، الذاكرةُ الجمعيةُ للناس الذين عاصروا أيام الحرب وانتصاراتها على العدو الإسرائيلي الغاصب ، و الأدبيات المروية كتابةً وشفاهيةً عن تلك الروح التي جسَّدها السوريون آنذاك على الصعيد المجتمعي والحياتي اليومي ، سلوكاً وممارسةً ، يعكسان تلك الغيرية الوطنية وتعاضد المجتمع بأبهى صورهما الباذخة حُبَّاً وأصالةً .
في الذاكرة والمرويَّات ، أن الأفران لم تتوقف عن الإنتاج طيلة أيام الحرب ، بل كانت تنتج إنتاجاً مضاعفاً لتؤمن الخبز للمواطنين ، ومن لم يكن قادراً على تسديد ثمنه منهم ، كان يأخذ خبزَهُ بالمجان .
وأن التجار والباعة فتحوا مستودعاتهم ومحالهم التجارية ، لبيع المواطنين كل ما يحتاجونه من مواد غذائية ، وبأسعار عادية رغم التهافت الجماهيري الشديد على الشراء لتخزين المستلزمات الضرورية للحياة اليومية .
لقد كان التفكيرُ السائدُ آنذاك ، هو التفكير الوطني المُنزَّه عن الأهواء الشخصية ، والمصالح الذاتية الضيقة ، لإيمان الناس بأن تحصين الجبهة الداخلية وتمتين عُراها ، من شأنه أن يقوي الجبهة العسكرية التي كان يخوض بواسلُ الجيش العربي السوري أشرف معركة ، وأقدس معركة، وأهم معركة مع عدو متغطرس كان يعتقد أنه قوةٌ لا تُقهر ، وأن شوكته عصيةٌ على الكسر !.
ولكنه قُهِرَ وكُسِرَ بتعاضد السوريين في الداخل ، وببطولات جيشهم على الجبهات ، وكان الانتصار الكبير . وفي المرويات أيضاً ، أن كل مظاهر الغش والاحتكار والتلاعب بالأسعار اختفت آنذاك ، وأنه لم تسجل أي جريمة سرقة في الوحدات الشرطية ، ولم تبرز في المجتمع ظواهر تدل على اختلاق أزمات اقتصادية لينتفع منها حفنة من المنتفعين كما يحدث عادةً بالحروب ، ولم تتفشَّ ظاهرة تهريب الدقيق التمويني أو المشتقات النفطية ، التي يجني منها المهربون ثرواتٍ لا طائل لها عادةً في الأزمات التي يستغلها ضعافُ النفوس أبشع استغلال .
وباعتقادنا ، نحن بحاجة اليوم وأكثر من أي وقت مضى ، إلى روح تشرين التي كانت سائدة في مجتمعنا طيلة فترة الحرب مع عدونا الصهيوني .
ومن الجميل والمفيد ، أن نستلهم تلك المعاني النبيلة والقيم التشرينية السامية ، كي يتطهر مجتمعنا اليوم من الظواهر السلبية الكثيرة ، التي برزت فيه بحدة خلال سني الحرب الهمجية ، التي شنتها على بلدنا قوى الغطرسة الغربية ، والتي يعاني منها المواطنون أيَّما معاناة وخصوصاً على الصعيد المعيشي والمشتقات النفطية، والغش بالمواد الغذائية والتلاعب بأسعارها !.
وبالتأكيد ، إن روح تشرين التي جسَّدها جيشُنا الباسل انتصار على قوى البغي والعدوان في العام 1973 ، تمثَّلها في حربه مع الإرهاب المحلي والوافد ، وحقق بها الانتصار تلو الآخر على الإرهابيين في غير محافظة وموقع ، وإنه لقادرٌ على تحقيق انتصارات أخرى في أي زمان ومكان .
محمد خبازي