تبنى حياة المجتمعات من خلال منظومات حاضنة للمفاهيم والقيم والأخلاقيات والسلوكيات التي تحكم بالفطرة سواد الناس في هذا المجتمع، وهذه الأقانيم تولد من التعامل العملي وبعد حين تتشكل واقعاً معاشاً لتصاغ منها الحدود والالتزامات.. ولئن كانت القوانين والأنظمة تشكل دستوراً يتبين من خلاله المواطن حقوقه و واجباته فإن الثقافة أيضاً مكون من مكونات المفاهيم التي يمكن أن يحددها و يحدها دستور ثقافي تتبلور ملامحه وخطوط مواده من تقاليد وتراث وتاريخ الوطن وسكانه..
رب قائل: إن أي دستور يفرد في مفرداته صفحات للثقافة، ولكن الواقع و الظروف تفرض أن يكون للثقافة دستوراً متكاملاً يتكئ إلى بناء قيمي يصل في أهدافه إلى تشذيب وتنقية سبل التعامل بين الناس ويحدد لهم أسس مفردات و بناء الروابط فيما بينهم على مستويات التعامل كافة.
إنه منظومة معرفية أخلاقية بمواد ناظمة و أحكام تبيينية يمكن لها أن تشكل مادة تدريسية في مناهج أبنائنا خلال مراحل تعليمهم بمستويات أعمارهم، وربما يصح أن يكون لزاماً في أي تشكيل اجتماعي أو سياسي أو غير ذلك..
الدستور الثقافي أو بعض مواده التي أعني حاضر في تعاملات وعلاقات الناس في بيئاتهم الحياتية، ولكن حين يغدو واقعاً ناظماً يكون أكثر قابلية للتطوير والتطبيق الجاد..
من ثقافة المجتمع وعاداته وتقاليده التي تربينا عليها وتعلمنا بعضاً منها بالفطرة، أو بالاحتكاك المجتمعي يمكن للدستور الثقافي أن يكون قواعد حكمية ملزمة..
ساعرض في إطلالات قليلة رؤية لهذا الدستور الذي آمل أن يرى النور ويصبح سبيلاً للتعامل الجاد، فحين يبسط حضوره أعتقد و آمل بأن كثيراً من الانحراف في التعاطي الإنساني سيشذب و سينبذ المختلف سلباً و حينها تكون القيم الثقافية سنداً وحصناً لحياتنا التي نريد..
يصوغ الدستور الثقافي قامات فكر فلسفي وتاريخي وتربوي ونفسي وأدبي، فمن هذه الاتجاهات المعرفية يتشكل المخزون القيمي الذي تبنى من خلاله حياة المجتمع.. في حياتنا ويومياتنا في وطننا عادات وتقاليد كريمة نبيلة يعرفها معظم الناس، يعيشها بعضهم ويتنكرها آخرون، فلنعمل لتكون هذه المعطيات جوهر التعامل وحينها أعتقد بأن ثمة متغيرات أخلاقية ستعطي أكلها ولو بعد حين..
في الدستور الثقافي يحضر الحب والتعاون والتآزر وتجسيد ما يبني رقي المجتمع، من خلاله نحمي فكر أبنائنا ونضبط نشأتهم، لنصل إلى حميمية العلاقة في الترتيب الهرمي للأسرة و بعدها المجتمع الأكبر..
لنعترف بأن كثيراً من قواعد التنشئة الأسرية تبددها انشغالاتنا الحياتية المعقدة، ولنعترف بأنه أصبح لزاماً أن تتحول هذه الثقافة إلى دستور نعلمه لأجيالنا ولا نترك للتبدد أن يضيع مواده التي هي عماد نشأتنا الإنسانية..
للحديث تتمة تتضمن الرؤية للتنظيم الذي أتمنى أن أراه يوماً واقعاً.
سامي محمود طه