قراءة أدبية في قصيدة الشاعر عبد الكريم عزو الحسن

قرأت القصيدة غير مرة وأرى أنها :
1- قصيدة درامية بكل معنى الكلمة وليست غنائية وكثير من الشعر ذو طابع غنائي .
2- هي قريبة جدا من أدب الاعتراف . وهذا الأدب قليل في التراث الشعري .
3 – للشاعر جراءة على البوح بما نفسه وهذا يجعله يصطلح معها بهذه الصراحة التي يطمسها بعض الشعراء في ادعاءات ليس لها من الواقع نصيب .
4- أعتقد أن القصيدة نضحت من آبار حزنه الغائرة و من معينها الثر .لهذا فقد اشتملت على كثير مما يطهر النفس .
5- استطاعت القصيدة أن تصور على نحو جمالي ( المعذب ) .
6- وأحسنت في تقديم مظاهر الشقاء الذي كان( بلا حساب ) لشدته وثقله ..مشيب غالب الشباب فغلبه ، قلق ، حرمان ؛ مرارة ، سراب ، وهم ، كدر ، كهولة ، اضطراب ، ظلمة ، كف (عمياء) تتوجس مجاهيل الحياة بارتياب ، اكتئاب ، أسى ، جراح غائرة …هي مظاهر جعلت من الشاعر دريئة للشقاء..
7- القصيدة تجعل القارئ يتعاطف مع هذا النموذج وجدانيا لأنها نقلت الأحاسيس بشفافية و صدق ..
8- إنني أرى وراء هذه القصيدة نفسا شاعرة شفيفة صريحة تحب الحياة وتدفع التعس بجميل من عوالم الشعر ..

* * ***
يُغالبني المشـيبُ على شـبابي
و يمنحني الشـَّقاءَ بلا حســابِ

ليتركني علـى قلـق ٍ أداري
لواعجَ مهجتي و رؤى رغابيْ

يسـاومني علـى مُتَعِ التَّمَنِّي
زمانٌ لا يفيدُ بـه عِتابـي

فحينا ً أمضَغ ُ الدّفلـى و حيناً
على ظمئي أعُبُّ من الســَّرابِ

و أعلـم ُ أنـَّه ُ وَهْـمٌ و لكـنْ
أقول ُ لعلـَّهُ يصفو شــرابيْ

فلا أشكو المشـيبَ وقد دهاني
و لكنّيْ أبوح ُ ببعضِ ما بيْ

ولسـتُ أرى الشَّبابَ مجالَ فخرٍ
فبعضُ الطَّيشِ في نَزَقِ الشَّبابِ

إذا اكتهلَ الفتى كَبَحَ التَّأني
جماح َ فؤاده ِ لغوى التَّصابيْ

و ما زان َ الفتى كالحُلم ِ ثوبٌ
وإنْ يكُ في الورى خَلِق َ الثِّيابِ

و ما عابَ الفتى كالجَهلِ عيبٌ
فدنيا الجاهلين َ إلـى خـرابِ

وقفتُ على النَّقيضِ أُجيلُ طَرْفيْ
وراء الظنِّ يَســكننيُ اضطرابيْ

فكنتُ كمن ْ تَحَوَّلَ في مسـيرً
لداجي ْ الليلِ من غَطَش الضَّبابِ

توَجَّســْتُ الحياةَ بكفِّ أعمى
تَحسّسَ كل َّ شــــيءٍ بارتيابِ

و ما طَبْعٌ جُبِلتُ عليهِ لكـنْ
رأيتُ الشَّـــكَ أهـدى للصَّوابِ

أراقبُ كلَّ مـا حولـيْ بعينٍ
أكادُ أرى بها نُطَفَ السـَّحابِ

و قلـبٍ ربَّما أدركـتُ فيـهِ
بعينِ بَصيرتيْ فحـوى كتابيْ

كأنّي لـمْ أزَلْ أحيا بأمســيْ
فلَـمْ أبرحْ مرارات اكتئابيْ

أبلسِـمُ كلَّ جـرحٍ في فؤاديْ
يَنزُّ أســىً ، بأحلامـي العِذابِ

و في الأحلامِ للمحزونِ ســلوى
إذا رامَ الخلاصَ مـنَ العَذابِ

 

د.عبد الفتاح محمد

المزيد...
آخر الأخبار