بسبب تلك الدّقّة الغريبة في ابتسامته، وتلك العبقريّة الموزّعة في أرجاء تفاصيل وجهه، ولأنّه هكذا.. باختصار.. نسمة صيفيّة قادمة لترطيب جفاف المشاعر، أصبح ينتظر مجيئي كلّما حان الوقت لذلك.. يختبئ تحت أجراس (العراتليّة) المتدلّية بكامل راحتها لتحجب الفراغات الّتي لا يراها أحدٌ غيره، متخفّياً بقبّعة رماديّةٍ ظنّاً منه أنّني لن أراه.. ولأنّني أراه وأحفظ تصرّفاته عن ظهر قلب، أقف بقرب هذه الأجراس الّتي أحسَنَتْ بامتداد فروعها للخارج مستفزّة الآتي والذّاهب لسرقةٍ مشروعةٍ من عناقيد أجراسها البديعة، وأبدأ بجريمتي الّتي اعشق ممارستها لأنّها قائمة تحت أنظاره.. من داخل السّياج تلتقطُ يده أصابعي فأصطنع خوفي وجفلتي بتلذّذٍ يضبط أنفاسي:(ـ أمّي .. أمّي .. لقد أمسكْتُ بلصّ الزّهور).. يظهر وجهه من بين فتحات السّياج.. مازلْتُ أصطنع مفاجأتي ولكن ليس لمدّةٍ طويلة بحيث تنفجر ضحكتي مع ظهور والدته.. تضحك هي الأخرى عندما ترانا على هذه الحال:(ـ تفضّلي عزيزتي.. ولدي يمسك بك دائماً متلبّسة).. تتابعه وهو ينزل القبّعة عن رأسه فتتدلّى عل كتفيه كأجنحة:(ـ انظري أمّي.. هذه المرّة تطاولَتْ على أزهار البنفسج) تدخل والدته:(ـ دعها تدخل بنيّ.. لم أزرع الزّهور إلّا لأجلها) ماأن اختفت أمّه عن أنظارنا حتّى التقطْتُه من شَعْرِهِ:(ـ اتركْ يدي أترُكْ رأسك).. يبتسم لأنّه على موعدٍ الآن مع لعبته المفضّلة.. يترك يدي..:(ـ ضعْ يديك خلف ظهرك).. يشبك يديه خلف ظهره.. ماأن أترك شَعْرَهُ حتّى يلتقط زهرتي بفمه، وبطرف فمه الآخر يتمتم:(ـ الزّهرة حلالٌ عليك إن أخذتها بفمك).. أضحك بسخريةٍ منبعها الخجل:(ـ أحقّاً تظنّني سأفعل ماتطلبه؟؟!!).. ينقل الزّهرة من فمه إلى عينه مداعباً.. في هذه الأثناء.. تخرجُ جارتهم الّتي تسكن فوقهم إلى الشّرفة ـ وكما العادة ـ تُنهي لقاءنا بدلو ماءٍ تسكبُه علينا لأنّ صراخ جارها الشّاب أيقظَ زوجها النّائم بعد أن انطفأتْ سكرتُه..
كنانة ونوس