عندما تنظر في المرآة ماذا ترى..؟
إن كنت ترى وجهاً كالحاً يُحاكي (عبس وتولّى)، أو غلالة مطعونة بالهمّ ملفعة بالسموم، أو جلداً منشوراً على عظام أنهكها الجري ومطاردة لقمة العيش.. إن كنت ترى في المرآة مزرعة حرثتها حوافر الغضب وعاثت في جمالها تقبيحاً.. أو بيدراً من إشارات الاستفهام والتعجب القياسي والسماعي، المحكي وغير المحكي، المنطوق والمسكوت عنه، وكل إشارة تزاحم أختها للوصول إلى إجابة تسكّن الألم، أو تلجم فحيحه.. إن كنت ممن يرون كل ذلك أو بعضه، فأنت إذن سلبي تتعامل بردود الأفعال، وتتناسى الحقيقة الكونية الساطعة التي تقول:
كلما ازداد الظلام تكاثفاً اقترب ميلاد الفجر..
أما إذا كنت ممن يغسلون وجوههم بماء الأمل ويلقون التحية على مرآتهم وهم يحدقون فيها فيرون الضباب تتقطع أوصاله، وتلال الظلمة تتداعى للرحيل لتشرق الوجوه وتزهر العيون.. هؤلاء يرون أرواحهم تمدّ أيديها الرحيمة لتداعب وجناتهم، فإذا هي مزارع غمّازات وامتنان، وابتسامات لا شرقية ولا غربية، لا تغيب عنها الشمس.. وإذا بهم يهتفون: نحن مدعوون إلى الحياة، إلى حفلةِ بسمات دائمة الخضرة والنور، بسمات تشيح بأبصارها عن قبح الواقع مترفعة عنه، عن كل ما فيه من استهانة بكرامة الإنسان، وتلاعب بمشاعره وقوت أطفاله، وآمال شبابه بسقف قد يجمع كل منهم مع أنثاه لتكتمل دورة الحياة، وننجو من الانقراض.. أجل كل هذا تفعله ابتساماتهم التي تُكرّم وجهها إذ تُشيح به عن رؤية كل هذا القبح.. إن كنت من هؤلاء فلا تخشَ أن تُوصف بالنعامة أو الأرنب أو سلالة اللامبالين، فأنت من أهل البصيرة الذين لا يرشقون الطائرة بالمقلاع، ولا ينفقون أعمارهم متباكين على الماء المُراق.. وهم لا يد لهم في إراقته ولا ساق، ولا حيلة لهم في إيقاف رحلة سفحه على قارعة الضياع..
فإلى أي الفريقين ترانا ننتمي.. إلى وجه عبوس قمطرير إن اعتمدناه سرنا في طريق السقم واللاعودة دون أن نجني أية فائدة، أم إلى وجه يُنتج الأمل ويلبسه، ويترفع عما سواه وهو في طريقه صوب الحياة.
توفيقة خضور