نبض الناس….
عادةً ، وفي الكوارث الكبرى ، تلم الآلامُ شملَ الناس ، وتبرز الغيرية الوطنية وتتجلى الأخلاق بأبهى صورها ، وتدب الرحمة في القلوب ، ويساعد القويُّ الضعيفَ ، والغنيُّ الفقيرَ ، ويتخلى الطمّاع عن طمعه ، وترى المجتمع كتلة واحدة من المشاعر السامية النبيلة ، وخلية عمل واحدة لفعل الخير والمبادرات الكريمة ، التي تبلسم الجراح وتداوي القلوب وتبث الطمأنينة في الأرواح .
وللأمانة فقد شهدنا خلال الأيام القليلة الماضية مثل هذه المبادرات في مراكز الإيواء ، وبغرف المصابين بانهيار البناء في حي الأربعين بالمشفى الوطني بحماة ، ولكن ـ وللأسف ـ لم نشهدها في الأسواق التي تستعر نيران أسعارها بفعل التجار الفجار !.
وهذا يعني ـ من جملة مايعني ـ أن التجار الجشعين معدومي الشرف والأخلاق ، اعتمدوا مبدأ النأي بالنفس عن المجتمع ومعاناته وآلامه ، وظلوا محافظين على تلك السمة التي يتسمون بها ، من تغييب الضمير وانعدام ” الناموس” كرمى الفلوس ، ولم تبدوا منهم رحمة أو شفقة على العباد الذين يكتوون بنار الغلاء الفاحش ، ولم يتخلوا قيد أنملة عن رفع أسعار السلع والمواد التي يطرحونها بالأسواق ، أو حتى عن جزء ولو كان يسيرًا من أرباحهم الفاحشة !.
وكأنهم يقولون نحن أولًا ومن بعدنا الطوفان ، ويصح هنا أن نقول ” الزلزال”.
فالأسعار بعد الزلزال لم تختلف عمَّا كانت عليه قبله ، بل ازدادت فحشًا ، ومعاناة الناس ـ عموم الناس ـ بتأمين قوت يومها ، أصبحت أشد وطأة ولم تخف ، وهو ما يعني أن التجار الفجَّار استغلوا ـ ويستغلون ـ كارثة الزلزال أبشع استغلال لملء جيوبهم ، وليبرهنوا بذلك على أن مصلحتهم فوق كل مصلحة ، وأنهم غير معنيين بوجع الناس ، وأن كل ما يعنيهم هو المال والمال فقط !.
وبالطبع نحن هنا لا نعني التجار الكرام ، أصحاب الأيادي البيضاء والقلوب الطافحة بالمحبة ، الذين
تبرعوا بمبالغ كبيرة أو صغيرة للمتضررين من الزلزال ، ولا الذين بادروا لاستئجار بيوت للمنكوبين ، أو الذين تعهدوا بإطعام الأسر المقيمة بمراكز الإيواء ، وغيرها من الفقراء ، فهؤلاء ترفع لهم القبعة .
وإنما نعني أولئك الذين أعمى حبُّ المال أبصارهم وبصائرهم ، وجعل الجشع أياديهم مغلولة إلى أعناقهم ، وقلوبهم أكثر سوادًا من القطران ، والذين لا يخجلون من استنزاف المواطنين أقصى حدود الاستنزاف ، في هذه الظروف المؤلمة التي يعيشها البلد .
محمد أحمد خبازي