*قصة قصيرة .. الشعور الصادق .*


مع إشراقة شمس ربيعية دافئة أقلتنا الطائرة إلى وطننا الجزائر بعد أن انتهت مهمتنا في سورية التي أصابها زلزال مدمر . لقد جئت برفقة زملائي فريق الإنقاذ و كنت أحد أعضاء الفريق.
جلست على كرسي الطائرة أنظر إلى فضاء لا حدود له ، و الذاكرة عادت بي إلى لحظة ذهابي إلى سورية تلك اللحظة لا أجد تفسيرا لها .
لماذا كنت راغبة في المشاركة بالإنقاذ ..؟
لماذا أحببت ذلك العمل المشرف لا أدري ..!
و ما الذي دفعني إلى أن أساهم مع فريق الإنقاذ بهذا العمل النبيل
نعم .. إنها سورية الشقيقة الحبيبة .
لقد شعرت من صميم قلبي و أحاسيسي أن هناك حدثا ما سأواجهه .. سرت فوق ركام أبنية سقطت و أناس تحت الدمار تحتضر مشيت اتأمل و أفكر ماذا جرى .. ؟
و أي مصاب جللَّ حدث في لحظات .. !! سمعت صوت استغاثة خافت تتردد على مسامعي و تلاحقني و تشدني إليها و تساءلت :
ـ من أين مصدر هذا الصوت .. إنه صوت استغاثة مؤلمة أسمعها عدت إلى حيث الصوت .. اقتربت منه كان الصوت يأتي من تحت الركام و من الصعب الوصول إليه أو يسمعني عندما أناديه .
ما العمل .. كيف يمكنني أن أحدثه إنه لا يسمعني .. !!
صرخت بصوت عال من أنت . ! . أنا أسمعك هل تسمعني . !! انتظر سوف ننقذك .
لكنه من المؤكد أنه لم يسمع صوتي أبداً كان يصرخ بصوتٍ مختنق تحت الركام أرجوكم أخرجوني و ذلك دون جدوى ..
لقد خيم الظلام .. و أرخى الليل سدوله ، و استمر عمل رفع الأنقاض طوال الليل للتمكن من استئناف أعمال الإنقاذ عند فجر اليوم التالي .
ذهبت إلى حيث إقامتي لأنال قسطا من الراحة و أنا أحمل في ذاكرتي ذاك الشخص الذي يستغيث . خشيت عليه من الاختناق تحت الركام .
مرَّ الليل طويلاً عليَّ ساعاته لم تنته و أنا أعدها و أنتظر النهار .
مع بزوغ الفجر و إشراقة أول خيوط الشمس ذهبت إلى حيث هو .. حيث الاستغاثة بحثت بين الركام عن فتحة ما أحدثه منها و بصعوبةٍ بالغة وجدت فتحة من نافذة عالية ناشدته و أسمعته صوتي رد عليَّ .. أنا هنا أنقذوني .. ما أصعبها من لحظة أسمع صوته لكنه لا يسمعني .. !!
في ساعات الصباح الأولى بدأ عمل فرق الإنقاذ أسرعت لزملائي و أخبرتهم عن الشخص الذي يستغيث .
أسرعوا لإنقاذه من تحت الركام كان الشاب في حالة موت محتم .
صعدت معه سيارة الإسعاف التي نقلته للمستشفى و كنت أزوره بين الحين و الآخر ، و أتحدث بيني و بين نفسي : ما الذي دفعني لمتابعته في المستشفى .. !! أهو عطف على إنسان أنقذته ..!! لا .. هذا عملي الذي جئت لأجله إني أشعر هناك في داخلي إحساس خاص يدفعني إليه ..
بعد أيام زرته في المشفى فرأيت أن الحياة بدأت تعود إليه من جديد . نظر إليَّ و كأنه امتلك الدنيا . جلست إلى جانبه و تحدثت معه كنت أنشد لحديثه و سماع صوته . سألته عن اسمه قال مبتسماً :
ـ أنا من مدينة حلب . . اسمي ( مجد ) و عملي مهندس ..
بادرني قائلاً :
ـ و أنتِ ..؟
ـ أنا من الجزائر أعمل محامية و اسمي سلام .
ـ دقائق و انتهت زيارتي ، أمسك بيدي و ضغط عليها مودعاً ..
ـ لا تتأخري أنا أنتظرك .
تركته و مشيت و بأعماقي كلمات كثيرة لا أستطيع قولها رددت في داخلي : ( إلى أين تسير بي يا زمن ..!! ).
إن الذي جرى معي كان قدراً في كف الأيام أن ألتقي هذا الشاب الوسيم و أعجب به .. أي هاتف دعاني لأتعرف عليه و أراه و أتحدث معه ، ما هذه المصادفة و أي دوامةٍ أنا فيها ..!! .
عندما ألتقيه و أتحدث إليه أشعر أني الوحيدة في هذا العالم إلى جانبه ، فأستمع له و أرحل مع أحاسيسي و أفكاري إلى لحظة التقيت به . لقد حملته في خافقي صديقاً عزيزاً غالياً .
التفت إليه و كان يشرب كأسا من الحليب قلت له مودعةً : إلى اللقاء صديقي سأعود إليك .
خرجت إلى إدارة المشفى لأطمئن على صحته كان وضعه جيدا و في حالة تحسن .
أيام قلائل انتهت مهمتنا في سورية و سنعود للجزائر أتيت لوداعه , كانت بالنسبة له لحظة تحمل الدهشة و الانفعال و الصدق .
صافحته و أكدت عليه أنني سوف أعود إليه .. خرجت و نظراته لا تفارقني أبداً .
لكن بقي الشعور الصادق بيننا هو سيد الموقف . .!!.
رامية الملوحي

المزيد...
آخر الأخبار