نشرت الشاعرة سعاد محمد في صفحتها دراسة نقدية للأديب أحمد إسماعيل في نصها (ولاية العين). وهذا نص الدراسة: أجمل مافي الشعر هو توظيف فلسفة الحياة بين ضفافه و الحياة أجمل حللها حين تكون معمورة بالحب و وجدانيته من خلال الانجذاب في شكله العام لأي شيء مبهج يتصور فيه المحب بسمة الكمال فيشعر المحب باللذة المادية و المعنوية حياله عند التفكير فيه أو لقائه بصورة مباشرة أو غير مباشرة و هنا نرى من خلال قصيدة مبدعتنا اللمسة الافلاطونية للمشاعر من خلال عذريتها فهنا الحب لم يعد يقتصر على نمط من تبادل الإحساس بالماديات المقرونة بل تعدى ذلك إلى مشاركة المحيط بالمعنويات والمجاز الذي يستفز مناطق اللاوعي بالإحساس المشبع و هذا ما نلاحظه في تصوير مشاهد النص فالانزياحات التي لبستها الماديات جعلت من تفاعلها دراما تأسر المتلقي بكم هائل من المشاعر وهذه ميزة تحسب لمبدعتنا في طريقة السرد التي اتبعتها من خلال ملامسة حوارها مناطق الوعي و اللاوعي و هنا تكمن الدهشة من خلال تحفيز هطول حواس المتلقي و هذا ما كان واضحا من العنوان فالعنوان ولاية العين قد يتساءل المتلقي لم وضع هذا العنوان فالولاية تعني السلطة ومن هنا نكتشف أن مبدعتنا أعطت السلطة للعين وهنا تترك المتلقي امام عدة أسئلة لم العين دونا عن الحواس؟ هل هذه السلطة مؤقتة أم دائمة؟ ما مدى صلة هذه الولاية بالواقع؟ الشاعر/ة. هو ابن/ة الواقع وحين نتأمل واقعنا نلاحظ حالة فظيعة ملازمة للخوف و الهلع نتيجة وباء كورونا الذي يعصف بكل شيء وهنا و بما أن الحياة تفترض الحب والحب في زمن الكورونا يفرض عدم المساس والاقتراب نجد ان شاعرتنا المبدعة سمت بالحب و أعطت كامل السلطة للعين لتصنع مزيجا لنوع جديد من فلسفة الحب يتعايش مع هذا الواقع لذلك هو واقع مؤقت والعين حتى مع وجود المسافات ترسل رسائلها بكل وضوح فلسفة حب عذرية افلاطونية تشتعل من خلال الإشارة و الإيحاء لذلك كان مطلع النص بالنداء ياحادي المواعيد أسبغ على لحظك النبيل هذا زمن نبوغ العين امطرني بالتلاميح لأودعك اشتهاءاتي كمزار بعيد عيني في عينيك، كاس بكأس ولتشرب بكاء أصابعنا المسافات اللاذعة لاحظوا المعجم اللغوي الذي استخلصته مبدعتنا حتى تصنع لغة إشارة خاصة للحب في هذا الزمن الصعب زمن الكورونا مثال: أسبغ على لحظك… نبوغ العين… امطرني بالتلاميح.. عيني في عينك.. فالنداء في مطلع النص بصوت عال ينادي ركب المواعيد التي أرهقت في السفر و طال انتظارها و الاسباغ هنا بمعنى الإفاضة فهي تريد من الحبيب أن يفيض بنظراته النبيلة و هنا نلاحظ اللمسة العذرية الافلاطونية البعيدة بعمقها و المليئة بإحساس الفطرة لاحظوا كيف أن مبدعتنا أعطت السلطة للتعبير و إصدار القرارات للعين من خلالها قولها نبوغ العين فالعين لها من الفطنة ما لا تملكه باقي الحواس وهنا تعطي مثالا على فطنته من خلال قولها أمطرني بالتلاميح انزياح مدهش فالحواجز كثيرة و من الصعوبة اجتيازها لذلك تشتهي هطول إيحاءات العين لتبلغه ما تتمنى حتى و لو كان سيدفن في مقبرة الأمل فالتماس محظور لكن رغم ذلك هي لا تريد أن تبكي تلك اللحظات، هي تريد أن تسقي الدموع للمسافات التي تحجز بينهما من خلال لغة الإشارة و التواصل بالعين فمبدعتنا تريد أن تدفن العجز و المسافات و تحول مذاق اللحظات بتوابل لاتنسى من خلال زمكانية الإشارة التي تتبادلها في المقطع الثاني تظهر مبدعتنا نظرتها الفلسفية في هذه الحياة و كيف تتعامل معها في ظل هذا الوباء و حتى نلاحظ رد فعلها على هذا الوباء بدأت المقطع بالنفي لا أرى هذه الدنيا.. فهي ترفض الرضوخ لحالة الخوف و الهلع لذلك و ضعت النقاط في نهاية الجملة بل إنها فوق ذلك رسمت رسالة و هي كيف يمكن أن نصنع الحب في ظل هذا الخوف لذلك استخلصت معجما لغويا خاصا يعلن ثورتها على الخوف و كانت أيضا بطريقة عذرية أفلاطونية بدأتها بالاستثناء و بانزياحات تلبس طابع الفطرة و البساطة مثال: .. تلهو أطفال الحواس… وحده الليل خالد.. وعد السماء بنا… قلبا سيلونها… أضج بالانتظارات… أحتضنك بعين… وهذا بلا شك رفع إيقاع النص و تراقصت الدهشة كعطر يزين قلب المشاهد لاحظوا الجسر الذي تعبر من خلاله مبدعتنا و ترسم قوس قزح في سماء من تحب فالمشاعر لا تنطفئ فهي ترى أن الحياة بيت شعر تحلق به كل الحواس ببراءتها رغم أن القدر قاس و يلوح بالموت و الألم في كل مكان و كل لحظة ففي كل بيت ينطفئ شمعة دفء لعائلة في الوطن و هنا نلاحظ كيف أن مشاعر الحب التي تشعلها مبدعتنا لا تريدها لحالة خاصة بل ترسلها لتكون عنوانا لكل الوطن فالحياة تستحق أن نحب من أجلها و متى أحببنا انتعش الوطن و خرج من غيبوبته و بما أن الليل الزمان الذي يجتمع فيه الحب غالبا اعتبرته مبدعتنا خالدا لأنه يوثق اللحظات المقدسة و هنا كانت مبدعتنا تسأل بطريقة استهجان من حبس في هذه الجرة البرق و الرعود؟ فهنا البرق بمعنى الابتسامة و الفرح و الرعد هو صدى ضجيجها في كل مكان فهي تستسخف هذا الوباء و تسأل كيف حبس الفرح من وجوه الجميع و هو كائن لا يرى إلا بالمجهر و كأننا في موعد مباشر مع الموت كل لحظة نسمع خبرا فنصاب بالرعشة نتتظر موعد تسليم روحنا، و حتى تخرج مبدعتنا من هذه الحالة تبعث رسالة أخرى و هنا الرسالة لكل أبناء وطنها بل للإنسانية جمعاء. كي نتكيف مع هذا الحب في ظل هذا الوباء؟ أولا تلوين القلب بكل جميل لاحظوا دعوة مبدعتنا أن تكون قلوبنا وتصرفاتنا كهدايا العيد ثانيا التأكيد على أن القدر لن يتغير مهما تسلحنا بوسائل الحيطة و هذه الفكرة ليست للإحباط بل أن نجعل لكل لحظة و حتى إن كانت في ظل المرض متسلحة بالضحكة و الفرح لذلك أرادت مبدعتنا أن تجعل للانتظار ضجيجا فهي تبطل كل حالات الاقتراب و الملامسة مع من تحب حرصا منها عليه فهي تغلق يديها و تحبسها حتى لا تغري باللمس فتخسر من تحب و هنا تعود لفلسفة العنوان الذي اختارته فكلما هب نداء الشوق تحتضنه بعينيها و تملأ المكان بإحساسها
في المقطع الأخير تخرج مبدعتنا عن صمتها و تبين لم اختارت هذا النوع من التعامل مع الحب وكيف يمكن أن تتغلب على حنينها و استخلصت لذلك مفردات و تعابير خاصة مثال: الكون مصاب ب لن….غليان من نعم…أصيد هم الزهر…أكرمني بعض الشرود… ففي المقطع الأخير تتعايش مبدعتنا مع هذا القدر بالصبر و توضح أنها تمضي في قلب الألم بقدمين يسكنهما الخوف فهي لا تخفي خوفها لأن الكون أجمع على اتباع وسائل الوقاية رغم كل الشوق و الحنين الذي بداخلها وهنا نلاحظ كيف أن مبدعتنا اختزلت اسم المرض بحرف نفي لن و غليان شوقها بجواب مختزل ب نعم لاحظوا كيف أنها وظفت سلطة العين حتى في التفكير وكيف أنها تعبر في خضم الخوف دون أن تضطرب من اصطياد هم من تحب، وصمتا يمكن أن يزيد من آلامها وتصطاد أيضا فرصا لتضيء منها ابتساماتها لاحظوا بساطة طموحات مبدعتنا فكل ما تتمناه هطول بعض من الشرود لتحلق به شوقا بتناص مذهل من خلال الوصية بالأهل في خطبة الرسول الأعظم في حجة الوداع فهذا الوباء لايجب أن يشغلنا عن مسؤولياتنا تجاه من نحب فردا و وطنا لذلك تطلب مبدعتنا منا أن نكون كالورود نصنع الجمال و العطر حتى يشفى الكون من هذا الوباء و هنا نلاحظ كيف حلقت مبدعتنا بقفلة النص حيث عادت بفلسفة دائرية لقلب النص وكيف أنها ترى الدنيا بيت شعر فالقصيدة في نظرها تخلدها و هي أغلى من كل كنوز الدنيا فقطعة الورق و إن لم تلامسها تحمل عطور بنان من تحب و كل إحساسه و تترجمها العيون ببراعة حقيقة نحن هنا أمام سيمفونية حياة ترسل رسائلها مع إيقاع الصور تطلب منا أن نقتحم منطقة اللاوعي في داخلنا و نحارب من خلالها كل أشكال العزلة في قلب العزلة المفروضة علينا نتيجة هذا الوباء فمبدعتنا عزفت سيمفونية أنشودة الفرح لبيتهوفن على أوتار حروفها لتصنع من العزلة جنة تحكمها سلطة العين وهنا نرفع القبعة إجلالا لهذا النثر المدهش الذي منحنا رقصة الحياة الحقيقية ومعنى لذتها.