في هذه الأيام الفضيلة، تطلّ علينا مناسبتان عزيزتان على قلوبنا جميعاً: وهما عيد الفصح المجيد وعيد الفطر السعيد، لذا آثرت أن أسهم في تعزيز رسالة هذين العيدين؛ رسالة المحبّة والوداد والسلام والوئام؛ فاخترت أن ألقي الأضواء على ومضة شعرية فائقة الجمال لشاعرنا الكبير غاندي يوسف سعد حيث يؤكد روح المحبة التي تسود في بلادنا الحبيبة. فالمحبة الصادقة تؤالف ما بين قلوبنا وتسهم في تشكيل العقد الاجتماعي الذي يربطنا ببعضنا البعض:
يقول الشاعر:
لَنا وطنٌ يعيشُ النّاسُ فيهِ بعِقدٍ مِثلَ حَبَات اللآلئ
فما انفصَمتْ عُرى الميثاقِ يوماً وَما انقطعَ السّبيلُ إلى الوِصالِ.
المحبّة هيَ أساسُ رباطِنا الاجتماعي، وهيَ سرّ وجودنا على مدى التاريخ، وتتجلى صورةُ هذه الرابطة الودية في ظلال صورَتَي عقدِ اللؤلؤ وعُرى الميثاق، وهاتان الصورتان تعزّزان تعاضُدَ أهلِ بلادنا الغالية على قلوبنا.
ويتبدى التعاضدُ تحت ظلالِ المحبة والتآخي اللتَين تُرسّخان أساسَ علاقاتنا الاجتماعية:
وتجمَعُنا المحبّةُ والتآخي بروْحِ الدِّينِ في جَسَدِ الخِصالِ
تقاسَمْنا دموعاً وابتساماً وَكُنّا إخوةً في كُلِّ حَالِ.
هذا هو أنموذج العيش المشترك، فكلنا نفرح معاً ونحزنُ معاً؛ فلا أحَد مِنّا شعرَ بالوحدة والعزلة، لأننا إخوةٌ في السّراء والضرّاء، وهذا هو سِرُّ رباط المودة التي تجمعنا في حياتنا كلها.
يقول شاعرنا:
إذا جُرِحَ الصّليْبُ بسَيفِ غَدْرٍ يفيضُ الدّمعُ مِنْ عينِ الهلالِ
وإنْ غابَ الهلالُ بذاتِ لَيْلٍ غدَا النّاقوسُ صوتاً مِنْ بلالِ.
هنا تتجلّى أسمى آيات اللحمة الاجتماعية؛ لأن المحبّة تتبدّى بوضعها علاقة متينة تشد الجميع الي بعضهم البعض؛ إنها وشيجة تجعلهم يشعرون بأنهم عائلة كبيرة يعيشون ببلاد الوداد والسلام .
يشيرُ النظر الفاحص الى أن شاعرنا غاندي يوسف سعد قد استوحى شاعر المحبة الصوفية وفيلسوفها، مُحيي الدّين بن عربي، الذي تحرر من براثن الانتماء الضيق:
لقدْ كنتُ قبل يوم أنكر صاحبي إذ لم يكن ديني إلى دينه داني.
وانطلق الى واحة المحبة الإنسانية السامية الرحبة قائلاً:
لقد صار قلبي قابلاً كل صورةٍ فمرعى لغزلان ودير لرهبان
أدين بدين الحب أنّى توجهتْ ركائبه فالحب ديني وإيماني.
كم هو جميل أن تغدو المحبة ديننا وعنوان حياتنا فهي تجعلنا كالبنيان المرصوص يشدّ بعضنا بعضاً، وكالجسد إن اشتكى عضو فيه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. فالتواد والتراحم والتعاطف هي توطيد للعلاقات الإنسانية التي يطمح إليها بنو البشر على مر العصور. إنها عودة إلى مثالية العصر الذهبي في الأساطير الكلاسيكية حين نعم بني آدم وحواء بهناءة العيش ودفء المحبة، ولم يعرفوا الضغائن والأحقاد إلا في العصر الحديدي حيث استفحل الشرّ في نفوس بعض الأشرار الذين انصاعوا لنوازع الشرّ في أنفسهم، وتناسوا أنّ النفس أمّارةٌ بالسّوء والعِصيان.
رسالة محبة صادقة من الشاعر الكبير غاندي يوسف سعد
بمناسبة عيدَيّ الفصح المجيد وعيد الفطر السعيد
أ.د الياس خلف