. أقلام واعدة قراءة في رواية “وهم” للأديبة نهلة غزوان الدنكي


نشرت الأديبة الشابة نهلة غزوان الدنكي باكورتها الروائية المعنونة ب (وهم) في أيلول الماضي. تفتتح أديبتنا روايتها هذه بمقدمة توجز فيها ولادة موهبتها الروائية، فتقول:
“ما زلت أذكر تجربتي الأولى في الكتابة.. كنت في التاسعة أجلس في زاوية غرفتي محتضنة قلمي وأوراقي أكتب قصة عن طفلة شقراء بصحبة صديقها، عندما وجدا نفسيهما صدفة في سوق للألعاب السحرية..”
أجل، تفجرت موهبتها الإبداعية منذ نعومة أظافرها، إلا أنها لم تجرؤ على المضي قدما في مسيرتها الروائية آنذاك:
“أذكر تماماً كيف توقفت في الصفحة الخامسة، جمعت كل الأوراق ومزقتها ورميتها من النافذة خشية أن يراها أحد..”
لكن، هيهات ان تفنى هذه القريحة الفنية، فبذورها ثابتة تتحين الفرصة المناسبة لتؤتي أكلها وتنبثق رواية غاية في الإبداع والجمال:
“دفنت حلمي ذلك اليوم خوفاً.. لم أدرك حينها ان خوفي لم يكن ليتغلب عليه حلمي بالرغم من ان الخوف أبعدني عن الحلم لسنوات… لكن حلمي كان كبيراً.”
تشكل هذه الاعترافات لبنة الأساس في سيرتها الفنية، فالسليقة الفنية تترعرع على هذا النحو العفوي، وما من ريب في أن هذه الاعترافات تندرج ضمن ما يعرف في النقد الأدبي بهاجس الكتابة، أي إحساس الكاتب بدافع الكتابة وسعيه إلى توظيفها على النحو الأمثل، وتحتل هذه الاعترافات مكانة الصدارة في سيرتها الذاتية بوصفها أديبة تسعى لصقل مهاراتها الفنية.
تسبر الاديبة نهلة الدنكي روايتها في ظلال زيجات لم يكتب لها طيب الحياة وهناءها.، فانتهت بمآسي يندى لها الجبين، ويشير النظر الفاحص الى ان الروائية المبدعة قد أفردت مساحة لا بأس بها لموضوعة الوهم التي أعطت الرواية اسمها.
وتخيرت شخصية متسولة تمارس مهنة التنجيم والتبصير وتقرأ الكف والفنجان.
تقدم المتسولة نفسها قائلة:
“أنا زهرة، أو كما يلقبني الناس أم بدر.. لقد امتهنت التنجيم منذ الثامنة عشر من عمري وكان يقصدني الجميع.. كما أني أقرأ الفنجان والكف وأستطيع ان اعالج السحر والحسد والمس”
وتعري الأديبة ظاهرة التنجيم والتبصير في أثناء حوار العرافة مع الطبيب أحمد:
“سمها ما شئت دكتور.. لكنك لن تستطيع الانكار ان الناس تفضل تصديق دجلنا عن الواقع”
وتمضي العرافة قدما فتفسر إقبال الناس المتزايد عليها، فتقول:
“حسناً.. ربما لأنني أسمعهم ما يريدون سماعه فقط.. أنا أمثل لهم وهما جميلاً..”
فالناس كما تؤكد العرافة، يفضلون الإيمان بأوهام وأكاذيب على مواجهة الحقيقة. تسلط الروائية نهلة الدنكي الأضواء النقدية على ادعاءات العرافة معرفة الطالع وقراءة الفنجان، فيستهجن أصحاب الطبيب أحمد الأمر، ويصفونها ب (التفاهات). بيد أن الدكتور أحمد يصر على تحري الحقيقة وراء هذه الظاهرة التي تتفشى في أوصال مجتمعنا عبر أنشطة المنجمين الذين يبنون آراءهم على أوهام لا حقيقة لها. ويقنع أصحابه بالسفر إلى الوادي الأخضر، تلك القرية الملعونة التي تشكل خطرا على جميع ساكنيها كما أكدت العرافة.
وتنقضي مغامرة استكشاف الوادي الأخضر، تلك القرية الملعونة، إلا أن الذهول والخيبة هما كل ما يجني أحمد في أعقاب هذه المغامرة، يقول صاحب البناء حيث أقام أحمد ورفاقه:
“هذه ليست الوادي الأخضر.. نحن مالكو هذه المنطقة.. تركناها منذ فترة لإعادة ترميمها، وقرية الوادي الأخضر التي تقصدها تبعد ستين كيلومترا من هنا..”
تختتم الروائية بتحطيم مقولات العرافة وتداعيات ما ذهبت إليه في أحاديثها:
“نزلت كلمات الرجل على أحمد وحبيبته كالصاعقة.. بدا كما لو أنهما عاشا عشرة أيام بدعابة سخيفة.. نظر أحدهما إلى الآخر مذهولا. لم يجدا كلمة تصف ما هما فيه، كلمة واحدة كان صداها يتردد في ذهنيهما..
إنه الوهم.”
بلى، فالوهم يهيمن على مخيلة الناس، ويشل حركتهم، فيبعدهم عن الحقيقة. ها هي الشمس التي ترمز إلى التجدد وحب الطبيعة لبني البشر، فتصف الكاتبة أحمد وزوجته صبا:
“استيقظا على شعاع الشمس متسربا الى أعينهم.. وارتدت فستانا ربيعيا بألوان زاهية..”
تخلص الروائية قائلة:
“حقا.. يمكن لأوحش الأماكن أن تغدو جنة في وجود من نحب.. حتى لو كان منزلا مهجورا يحمل في فنائه ثلاث جثث ويقع في قرية ملعونة تسكنها الأشباح والعفاريت.”
إذن، فالحب هو خارطة الطريق أمامنا نحن بني البشر. هذه هي الرسالة التي توضحها الأديبة، فجعلتها تتصدر روايتها عبر نص مواز حوى نداء الممثل السوري البارع الراحل نضال سيجري وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة:
“الحب هو الخلاص يا أبناء أمي”
الحب يقضي على الأوهام التي لا حقيقة لها، وحين لا نستسلم لأوهامنا نستطيع العيش بأريحية مطلقة.
فتعالوا، معشر بني البشر، نضع حدا لأوهامنا لنهنأ بحياتنا مع من نحب.

أ.د. إلياس خلف

المزيد...
آخر الأخبار