مجلـة الغديـر وأثـرها الثقافـي والاجتماعـي


قبيل الشروع في تقديم نبذة عن مجلة الغدير. وهي مجلة ثقافية فكرية نصف شهرية. أودُّ ترسيخ مكانة الصحافة بوصفها منبراً ثقافيا واجتماعيا يرمي إلى نشر الوعي والمعرفة في مختلف مناحي الحياة، يقول المفكر الأمريكي “جيمس كلير”: إن القراءة غذاء العقل، وهذا صحيح؛ فلولا القراءة (وأوعية التواصل الاجتماعي الأخرى) لم نستطع الاطّلاع على ما يحيط بنا من أحداث تؤثر في حياتنا؛ وخاصة بعد أن غدا العالم بأسره بمنزلة القرية الصغيرة، بفضل انتصار الثورة المعلوماتية وانتشار أُكلُها على الشابكة العنكبوتية التي غزت الأماكن الرسمية والعامة والبيوت على حد سواء؛ فما يحصل في اليابان على سبيل المثال، يصل إلى أوربا وغيرها في غضون دقائق إن لم نقل ثوانٍ، والصحافة، موضوع وقفتنا هذه، وعاء ثقافي اجتماعي؛ فقد سماها الكاتب البريطاني “جيمس كارليل” بالسلطة الرابعة، لعد سلطة رجال الدين والنبلاء (الذين يمثلون الطبقة الحاكمة) وعامة الشعب. أجل فالصحافة هي السلطة الرابعة لأنها تُعنى بضخ المعلومات بغية توعية الناس كي يُلموا بالأحداث التي تجري من حولهم، ويتخذوا موقفا رشيداً إزاءها، ليتبينوا تبعاتها ما أمكن.
وانطلاقا من هذه المكانة السامية والجليلة للصحافة، قام الدكتور الراحل “مصطفى المير غالب” بإطلاق مجلة الغدير في سلمية في أوائل خمسينيات القرن الماضي، كي تسهم في تعزيز مفاهيم الحرية والديمقراطية، بعد أن جلا المستعمر الفرنسي الغاشم عن ثرى بلادنا الطّيّب.
ويشير النظر الفاحص إلى أن مجلة الغدير قد احتضنت ثلّة من مشاهير الكتاب والباحثين من فلسطين السليبة، ومن العراق ولبنان الشقيقتين، ومن أخوتنا السوريين من طرطوس وسلمية وغيرهما. وما من شكٍ أن هذا يكشف طابعها التعددي، وتتجلى هويتها التعددية في ظلال تنوع تخصصات مجلة أسرة الغدير كما جاء في صفحاتها، ويجدر التأكيد هنا أن للمرأة نصيبا في هذا الوعاء الصحفي، إذ جاء في صفحة أسرة الغدير” ركن حواء الآنسة حكمت”، فكلمة ركن توحي بأهمية المرأة بوصفها نصف المجتمع، لأن “ركن” تعني الركيزة التي يقوم عليها صرح المجتمع وغيره من الكيانات. ومن نافلة القول إن الآنسة حكمت الماغوط هي أخت الباحث الأكاديمي الشهير خالد الماغوط مدير معهد التراث العلمي بجامعة حلب. من هنا نلحظ أن المرأة لم تعش مرارة التهميش أو الاقصاء الذكوري.
وجاء في صفحة أسرة الغدير عبارة “ركن الطلبة أبو عهد” (الكردي) وهذا دلالة جلية أن صدر هذه المجلة كان يكتنف الطلبة بوصفهم أقلاما واعدة ومواهب بحاجة إلى من يرعاها ويشد أزرها. وهنا نتذكر أستاذنا الكبير الراحل أبا عهد الكردي الذي أحب زملاءه وطلابه، فبادلوه حباً بحب، وغني عن الذكر إن من يحب واجبه التعليمي وتلامذته قادر على تشجيعهم وإرشادهم إلى جادة الصواب.
لقد ذاع صيت هذه المجلة الثقافية الفكرية لأنها صوت السوريين، ونظرة إلى صفحة مندوبي مجلة الغدير ومراسليها تؤكد وصولها إلى العديد من المدن السورية الرئيسة، وبعض الدول العربية والأوربية والأرجنتين في أمريكا اللاتينية.
وصفوة القول هذا غيض من فيض؛ فلو أردنا تسليط الأضواء على بعض من أعدادها لاستهلكنا العديد من الصفحات لسبر ما جاء فيها من أخبار وأبحاث وأشعار. وكم نتمنى أن يعود هذا الصرح الثقافي لترفده أقلامنا بعصارة الثقافة والفكر.

أ.د. الياس خلف

المزيد...
آخر الأخبار