بدايةً أودُّ التأكيد أنَّ قصيدة ” تنفسُ الصّبحِ” للشاعر “رضوان الحزواني” تذكرنا بالشّاعر الراحل “رضا بلال رجب” ؛ إذ كتب الشّاعر ” رضوان الحزواني” في هامشِ عنوانها (أرسلتها إلى الشّاعر الدّكتور رضا رجب رداً على قصيدةٍ له ), ومن نافلة القول إنّ إشارة الشّاعر هذه تندرجُ ضمن العتبات النّصيّة الّتي تعينُ القارئَ على الولوج إلى ثنايا هذه القصيدة واستيعاب معانيها وتذوق جمالياتها .
ومن الجدير بالذّكر هنا أنَّ شاعرنا الراحل “رضا رجب” قد كتب قصيدةً رقيقةً تزخرُ بذكرياته الدافئة في “حماة” , وهو في أحد مشافي دمشقَ لتلقي العلاج – رحمَ الله شاعرنا الكبير وطيّبَ ثراه -.
تدلُّ القراءة المتأنيةُ أنَّ شاعرنا ” رضوان الحزواني” يتأمل جمالَ طبيعة حماة فيهيمُ بها ؛ لأنَّ جمالها يملاُ عينيه حُسناً , فيطلقُ العنانَ لخياله الرومانسي المجنح , الذّي يحلّقُ في فضائها البهيِّ, فيرسمُ جمالياتِ طبيعتها الفاتنة مع تباشيرِ الصّباحِ:
تنفّسَ الصّبحُ في أنفاسه عبقُ
وافترَّ مثلَ شفاه الغادة الشفقُ
ما أجمل صورة بزوغ الفجر هذا , وأريجُ أنفاسه يضوع في فضاءِ “حماة” !
تشيرُ هذه الصّورة إلى أنَّ شاعرنا يستثمرُ صوراً حسيّة تقومُ على جمالياتِ اللّون, لون ضوء الفجر المتفتّق برفقِ أناه , وجمالياتِ الشّمِ المتمثلِ في الشّذا الذّي يفوحُ من أنفاسهِ الذّكيةِ.
ويمضي شاعرنا قدماً في توظيفِ الصّورِ الحسيّةِ ( اللونيّة والشّميّة) فيبدو صباح حماة البهي غادةً ,آيةً في الجمالِ الأنثويّ النّاعمِ , ومن ابتسامةِ شفتيها الآسرتينِ تتدفقُ أفاويح طيّبة تعبقُ بفضائها الرومانسيّ الرّحب , ويوقظُ هذا الصباحُ الأطيارَ بنورهِ وعبيرهِ , فتبتهجُ وتحلّقُ فرِحةً مرِحةً ,محتفلةً بعيدٍ جديدٍ ملؤه الهمّة والنّشاط والسّرور:
واستيقظت أمةُ الأطيارِ سارحةً
ملءَ الفضاءاتِ لا همّ ولا غسقُ
وحينَ يزهرُ نورُ الصباحِ تبدو “حماة” بأبهى مظاهر جمالها , فتأسره , فيراها عروسَ الشّعرِ الرّومانسيّ الذّي يتغنّى بآلاءِ الطّبيعةِ السّاحرةِ , ويراها كوكباً ملؤه الطّهرُ , وقمراً سراجاً منيراً:
وطالعتنا عروسُ الشّعرِ ضاحكةً
جبينها كوكب في طهرهِ ألقُ
كريمة ومحياها بدا قمراً
تودُّ لو شربت أنواره الحدقُ
هذه عجالة ؛ فتذوق جماليات هذه القصيدة يتطلّبُ صفحاتٍ غفيرةٍ , وهذا سيكونُ مشروعاً ليسَ ببعيدٍ , بعونِ الله
أ.د.الياس خلف