بكين- موفد مؤسسة الوحدة- أمجد عيسى:
تترافق كل زيارة رسمية يقوم بها رؤساء الدول والزعماء وقادة شعوبهم إلى أي دولة أخرى مع الكثير من التحليلات والقراءات الصحفية حول المؤشرات الهامة التي صحبت هذه الزيارة والرسائل والدلالات التي أطلقها الضيف والمضيف خلال النشاطات الرسمية أو غير الرسمية على هامش الزيارة، وهذا أمر واجب على أصحاب الاختصاص بغية خدمة الجمهور في الإضاءة على قضايا يمكن ألّا يراها لكونها خارج اختصاص معظمه، على الرغم من أنه يبقى على المتلقي عبء بذل بعض الجهد لوضع الزيارة ومقوماتها وأركانها في سياقها الزماني والمكاني لتكوين صورة صحيحة كاملة تتضمن ما يتلقاه وما ينتجه عقله في آن معاً ليدرك في النهاية أهميتها ورمزيتها وما يمكن أن ينتج عنها ولو بالحد الأدنى.
وكإعلاميين مرافقين للزيارة من واجبهم المهني أن يضعوا بين يدي القرّاء مجموعة من المشاهدات والقراءات لما شهدته الزيارة التي يقوم بها السيد الرئيس بشار الأسد والسيدة أسماء الأسد الى الصين بدعوة رسمية من الرئيس الصيني شي جين بينغ، لتساعدهم في رسم صورة حقيقية لهذا الحدث الهام خاصة إذا تم وضعه في سياقه الصحيح في ظل المتغيرات والأحداث التي يشهدها العالم حالياً.
لقد شهدت هذه الزيارة العديد من الدلالات الهامة على صعيدي الشكل والمضمون، لعل أبرزها كان في بعدها السياسي، وكان ذلك واضحاً من خلال اللقاءات التي جمعت بين الرئيس الأسد وأبرز القيادات الصينية وفي مقدمتها لقاء القمة مع الرئيس الصيني واللقاءات مع رئيسي مجلس الوزارء ومجلس الدولة لنواب الشعب الصينيين وما تخلل تلك اللقاءات من رسائل سياسة هامة وترسيخ لتاريخية العلاقات الثنائية والعزم على مواصلة تعزيزها بما يخدم شعبي البلدين وتحقيق ما يصبوان إليه من استقرار وازدهار وسلام.
من جانب آخر، شكل التوقيع على اتفاقية الشراكة الإستراتيجية أحد أهم نتائج هذه الزيارة بما يمكن أن تحمله هذه الخطوة من انعكاسات ونتائج إيجابية مستقبلية على المستويات كافة.
كما حملت نشاطات السيد الرئيس والسيدة عقيلته في محطتي الزيارة مدينة خانجو والعاصمة بكين دلالات هامة، فكان حضور السيد الرئيس لافتتاح دورة الألعاب الآسيوية الـ ١٩ حدثاً بحد ذاته له رمزيته ودلالاته وخاصة ما يتعلق بوضع سورية اليوم بعد أكثر من عقد على الحرب التي تعرضت لها، فيما تشكل الزيارة التي قام بها السيد الرئيس والسيدة أسماء إلى قرية Xiaogucheng رسالة واضحة حول اهتمامهما بالاطلاع بشكل مباشر على تجارب دولة عظمى مثل الصين في مضمار التنمية وما يمكن الإفادة منه بهذا الخصوص في دعم العملية التنموية في سورية، خاصة أن القرية تشكل تجربة تنموية ثقافية يمكن الإفادة منها في العملية التنموية في قرى وبلدات سورية.
وعلى الرغم من أن جميع الزيارات الخارجية التي قام بها السيد الرئيس والسيدة عقيلته شهدت لقاءات معلنة أو غير معلنة مع الجاليات السورية، إلّا أن الاجتماع بالجالية السورية في الصين تبرز أهميته إذا ما تم النظر إليه في ظل الدعوات المتصاعدة لقيام المغتربين السوريين بالدور الأكبر في المساهمة بإعادة إعمار البلاد، وقد شهد اللقاء حواراً معمقاً حول ضرورة الاستفادة من التجربة الصينية الرائدة التي نجحت في أن تتبوأ موقعاً متقدماً جداً وتمكنت من تطوير ذاتها وأدواتها من دون أن تخسر هويتها أو أن تتخلى عن تاريخها ومبادئها بل على العكس كرست الحالة الأخلاقية في مجتمعها الذي عزز بدوره حالة انضباط بناءة لدى أفراده عززت الارتباط بالهوية والفخر بها، وأبناء الجالية، على اختلاف أجيالهم، قادرون على أن يكونوا جسراً بين التجربة الصينية ووطنهم الأم.
فيما شكل لقاء السيدة أسماء مع الطلاب في جامعة الدراسات الأجنبية ببكين والحوار الذي أجرته معهم ومع الدبلوماسيين الذين حضروا اللقاء فرصة هامة لإعادة تشكيل صورة سورية في ذهن الحضور، صورة التوق للحوار والانفتاح على الآخر وقبوله مهما كان رأيه، صورة سورية التواقة للسلام والأمن على الرغم من استمرار الدول المعادية باستهدافها منذ عشرات السنين، وفي الوقت ذاته العازمة على الاستمرار بالدفاع عن محاولات طمس الثقافة الوطنية لشعبها.
وقد أكدت السيدة أسماء خلال الحوار «لا شـك أننا جميعاً نواجه محاولات طمس الثقافات الوطنية للشعوب نفسها، عبر وسائل متعددة في الشكل، واحدة في المضمون، عنوانها التطور والحداثة، ومضمونها ذوبان الهوية والانتماء، والسلاح الأقوى لتحقيق ما سبق، هـو ضـرب اللغات الأم للشعوب والنظرة المتخلفة لمن يتمسك بها..
إنّ احتلال اللغة هو السبيل الأقصـر إلى احتلال الوعي، وبالتالي احتلال القرار المستقل، وتهتيك المجتمعات ومحو هويتها وتفردها، وما تلك النماذج المشوهة من اللغات الهجينة التي نشهدها اليوم سـوى أحد تجليات النموذج الليبرالي الجديد، فكما العبث بالجنس البشـري وتهجينه وخلق جنس ثالث منه، يأتي العبث باللغة وتهجينها وخلق جنس ثالث منها، فكلا الفعلين أسـاس وجوهر الليبرالية الحديثة، من الجنوح الأخلاقي إلى فرض مفاهيم شاذة ومنحرفة عن صورة الأسرة السليمة بما يخالف الفطرة البشرية.
رسالة واضحة تظهر عزيمة وإرادة صلبة لدى السوريين بالدفاع عن لغتهم وثقافتهم وهويتهم الوطنية تماماً كما فعلت الصين وشعبها.
أما على صعيد الشكل فلا يمكن للكلام وحده أن يصف الزيارة بقدر ما يمكن للصورة فعله، خاصة في الاستقبالات والنشاطات الرسمية التي حصلت إن كان في العاصمة بكين أو مدينة خانجو، وفي وجوه المواطنين الصينيين الذين تواجدوا في الأماكن التي زارها الرئيس الأسد والسيدة عقيلته، وتموضع الرئيس الأسد خلال افتتاح دورة الألعاب والطائرة الرئاسية الصينية التي أرسلت إلى دمشق لنقل الرئيس الأسد والوفد المرافق إلى بكين، كل ذلك يشي ولو من حيث الشكل بما يحمله المضمون من أهمية على مستوى العلاقات الثنائية وجميع المواضيع الأخرى ذات الاهتمام المشترك.
لكن الصورة الكاملة للزيارة تبقى غير مكتملة من دون وضعها وما تخللها من رسائل ودلالات في سياق الأحداث العالمية والمتغيرات الدولية، وأهمية الدولتين المعنيتين بالحدث، الضيف والمستضيف، في مناطقهما وعلى المستوى العالمي، ومدى تأثير قيادتي البلدين في محيطهما والأحداث التي تحصل على المستويات كافة، عندها فقط يمكن للمتابع أن يدرك الصورة الحقيقية لزيارة السيد الرئيس بشار الأسد والسيدة عقيلته إلى جمهورية الصين الشعبية وأهميتها بالشكل والمضمون والنتائج.