*قصة قصيرة أنا والحبيبة ..*

 

كان القنوط يسيطر عليّ في أغلب الأحيان والقنوط عاطفة خرساء وجزر لكل مد في القلب .
كانت الساعات تمر متثاقلة وأنا أجلس قرب أسمال مذكراتي وأقرؤها حتى صارت تلك المذكرات منبع أحزاني التي لا تنتهي ،لكنني أراها راحة لنفسي المتعبة عندما أقرؤها أرى الماضي كله أمامي بذكرياته ،حلوها ،ومرها أسمع صوتها وحديثها صدى ضحكتها فأنتشي بها..
الماضي يعيش معي ينام فوق سطوري وأوراقي ،أنا لا أنسَى ذلك اليوم الذي فارقت فيه ( حبيبتي ) ..
ـ تعرفت إليها خلال أسابيع ثم رحلت .. لماذا .. وكيف لا أدري !
التقينا مصادفةً على الشاطئ كانت الشمس تلملم رداءها الذهبي عن الكون مودعةً تاركةً للعشاق غروباً جميلاً ، كنا نلتقي دائما وكانت تلك الصبية الجميلة تجلس معي…تحدثني عن الحزن المغروس في تربة أيامها على الرغم من أنها لا ترعاه ولا تمنحه عنايتها حدثتني عن الفراشات الملونة التي توقفت قربها وكفت عن الرقص بين الزهور متنهدة لأن العطر مغبر برماد الورود وحدثتني عن الغمام الأسمر المسافر في الآفاق يحمل في طياته قلق الشوق وعن الليل الذي يبتسم للفجر المطل وهو ينتظر إغفاءة عينيها لتعانق ذلك الفجر على نافذة فرح منسية خلفها حدثتها وأصابعي تعانق أصابعها:
ـ اقتربي ( مها ) ربما لا يسعنا هذا العالم ..  اقتربي لنحمل الطائر المجروح ونلملم ريشه الملطخ بدماء نقية إنه لا يكف عن الشدو ،اقتربي لنملأ الخوابي الباقية من رماد ورودنا ونمضي أنا وأنت في ذهول الليل الصامت بخشوع.
تعالي نحدد موعداً للقائنا ونلتقي دائماً ،دعينا من الحزن دعينا من رماد الورود، الورود لا تحب الرماد إنها تغطي الدنيا بعبيرها ،عبير الورود رائحته تفوح مثل الحب
لاتبتعدي عني فالمسافات تكبر وتطول وأنا أمضي مع ملامحك بلا مسافة أمضي بلا محطة راحة وكأني في غابة مهجورة أبحث عنك ولا أعرف لك عنوانا.
لاتبتعدي تعالي نتحدث أنت حزينة دائماً الورود لاتحزن فصباحها مشرق جميل و مساؤها عطر يغطي الكون ..
ـ ( مها ) اسمك جميل .هذا لا أنساه أبداً أجيبيني . . لماذا اليوم لا تتكلمين؟ كنا نتحدث كثيراً عن كل ما مرّ معنا كنت تقرئين لي كل يوم ما تكتبينه من قصائد شعرك ، شعرك جميل رومنسي وأنا أحببت كل مفردة تكتبينها وأحفظها.
كان يمر بنا الهزيع الأول من الليل لا نشعر به اقتربت منها وسألتها :
ـ تعالي أضمك لصدري بحنانٍ وشوقٍ لأسمعك نبض خافقي فحديث القلب صادق صامت .
في أمسيةٍ يتيمةٍ شقيةٍ أتت إلي في موعدها كان الألم والشوق يحرقانها وكنت أنا أحترق مثلها أتمزق من خلال ماهي فيه وتساءلت كيف أمسح عن عينيك هذه الدموع المخنوقة كيف أنزع من قلبك العذاب حدثيني عنك أكثر؟
ـ جلسنا على طاولة اعتدنا الجلوس إليها على شاطئ البحر شربنا القهوة ابتسمت وهي تمسك يدي وتشدني إليها وكأنها لا تريد أن تفارقني ولا تبتعد رأت سيارة تقف قرب الشاطئ أشارت إليها وأسرعت رحلت دون أن تترك عنواناً ولا رقماً لهاتف . ولا خيطاً واهياً يربطني بها .
ـ أين رحلت .. وكيف ؟ ! ..
ـ مرت أيام وأنا أتردد إلى المكان الذي تعودت أن ألقاها علّها تعود
مر بقربي صديقيٍ كان يراها معي دائماً فهو يعرف أهلها سلم عليّ وقال :
ـ صديقتك ( مها ) لن تراها بعد اليوم ..!!
ـ كيف ولماذا ؟!
ـ تزوجت وسافرت تاركةً لك هذه الرسالة .
ـ احتضنت الرسالة بلهفةٍ بالغةٍ تنسمت من خلالها عبق صداقة نقية نقاء الثلج
كتبت تقول : يا أعز الناس تركتك و رحلت لكني تركت قلبي معك وبين يديك مدى الدهر فالقلب يا صديقي لا وطن له ولا جنسية . ولا تاريخ ميلاد إنه أمانة لديك.
تلك الرسالة وكلماتها الرائعة احتفظت بها زمناً وحتى الآن لأنها بالنسبة لي قدس من الأقداس السماوية .
*رامية الملوحي*

المزيد...
آخر الأخبار