من يوميّات معلّم في قرية نائية .. تلك المدرسة ..؟!

على ضفاف العاصي..

كانت الشمس تميل ُ إلى الغروب ،وعلي ّ قطع مسافة ليست بالقصيرة للوصول إلى قرية (شعيب البس ) شرقي الرصافة في محافظة الرقة ، مع حلول الظلام كنت اقف في بهو اول دار في القرية ؟ رحب بي صاحب المنزل ترحيباً حاراً ؟ وبعد تناول العشاء وشرب الشاي كانت سهرتنا مقتضبة نتيجة السفر والتعب …
تنتشر بيوت القرية على حواف وادي (شعيب )بشكل متباعد ، وهي عبارة عن عدّة تجمعات ، قليلة البيوت وجميعها مبنية من الطين وعلى شكل قباب و(قواويش ).
في الصباح وبعد تناول الفطور من شاي وجبنة وسمنة ، ركبت الطنبر إلى جانب صاحب البيت ووجهتنا بيت المختار حيث ساحدث المدرسة ، وإقامتي ستكون في منزله …
رحب بنا السيد محمود الحسين (ابو محمد ) ايما ترحيب وعرض كل انواع المساعدة لإفتتاح المدرسة ، وهي مهمة ليست سهلة على شاب لا يتجاوز العشرين من عمره..
بعد استراحة قصيرة وشكر صاحب الطنبر على مهمته اتجهت والمختار إلى غرفة ترابية وسط ساحة كبيرة ، قال المختار هذه هي المدرسة ؟!
ثمة اسئلة راحت تراودني في عملية الإنطلاقة وما هي السبل لانجاح المهمة والتي هي بكل تاكيد شاقة وشيقة ..
كانت الخطوة الاولى جمع دفاتر العائلة وإحصاء عدد الأطفال من هم في سن المدرسة ، وإبلاغ الأهالي الذين يعلّمون ابنائهم في المنصورة والطبقة والرقة بإرسالهم إلى المدرسة العتيدة .
على حصير مهترىء نسبياً جلس الاطفال بهدوء وعلى وجوههم علامات الفرح وخاصة على من لم يلتحق من قبل بالمدرسة .
طلبت من المختار المساعدة في في طينة مساحة متر من الحائط المقابل لجلوس التلاميذ بمادة (الجص) وهي مادة تشبه الاسمنت في لونها لتكن سبورة ريثما يتم تزويدنا بسبورة خشبية ، وفعلاً تم إنجاز المطلوب وبدانا الكتابة عليه بطباشير الحوارة الملونة .
اعددت كتاباً بلا خاتم رسمي يتضمن حاجات المدرسة من أثاث ضروري مثل :مقاعد ، طاولة معلم ، خزانة حديدية ، برميل توتياء للشرب ، كرسي ….
في اول زيارة لتربية الرقة تم تامين الاثاث الضروري للمدرسة ، وقمت بشراء السجلات الضرورية : السجل العام للتلاميذ ، دفتر : تفقد ، تحضير ، تقديرات ، جرس حديدي ، …
كانت فرحتي مع التلاميذ وعددهم (٣١) تلميذاً وتلميذة لا توصف ونحن نوزع المقاعد داخل مدرستنا الترابية ، وفوقها يرفرف علم الوطن بزهو وفخر ..
تلك المدرسة ما تزال تفاصيلها تعيش معي رغم كل المشاق التي رافقت إحداثها .
تلك المدرسة التي احتضنت اطفال القرية بصفوفهم الستة وهم يتراكضون فرحاً في فناء لا مدى له .
تلك المدرسة بصفوفها المجمعة ومعلمها الوحيد كانت بداية مرحلة طويلة من العمل التربوي الذي كان من اهم مفاصل مسيرتي التربوية والتي إمتدت لعقود .
تلك المدرسة التي اعتز بانني احدثتها لتشكل نقطة مضيئة في إستقطاب تلاميذ القرية وتخفيف المشاق عليهم وعلى ذويهم ستظل صورتها ونبض تلاميذها خالداً في مخيلتي ما حييت .
*حبيب الإبراهيم

المزيد...
آخر الأخبار