قصة قصيرة.. ثوب زفاف

هذا المساء .. كان البدر المتلألئ المكتمل يشبه لؤلؤة رائعة معلقة في السماء ، نهضت من السرير ، ونظرت من النافذة إلى فناء منزلي الذي يغمره ضوء القمر . 
لكن حتى رؤية هذا الجمال الرائع لم يخفف من شدة ضربات قلبي وارتعاش يدي .. كان شيئاً مبهماً لا أدري ما هو يخيفني . 
بعد غدٍ سوف نزف ابنتي عروساً ، وثوب زفافها معلقاً أمامي .. 
أنظر إليه بفرح وخوف عليها ، سوف أفتقدها كثيراً .. 
اقتربت من ثوب الزفاف ، تلمسته بيدي ، قبلته من كل أطرافه .. ماأجملك ياعروستي الحبيبة بهذا الثوب الأبيض .
أنا أحب اللون الأبيض وأحب ثوب الزفاف .. لقد أخذني هذا الثوب إلى سنوات بعيدة جداً . سنوات مازلت أعيش ذكراها ولن أنساها أبداً ، أجمل حدث في حياتي ( يوم زفافي ) .
تزوجت من رجل أحببته وأحبني . كنا نعيش قصة حب مثالية دامت مدة دراستنا الجامعية .
حين التقيته أول مرة كان الأمل يشرق بين جوانبه ، وكانت نظراته تملأ الأفق حناناً ، أي حلم أتذكره ، فجميع أحلامي ألوان … 
مازالت ملء جفوني 
. كان طلق الوجه ، مبتسماً دائماً ، قال لي : 
ــ ثوب زفافنا ( حبيبتي ) أختاره أنا ، لأنني أحبك وأحبه . سوف تكونين أجمل عروس في الدنيا يا أميرتي ! تلك الكلمات القليلة الرائعة ما زالت تسكن ذاكرتي وستبقى مدى العمر … 
تزوجنا كانت أيامي حلما رائعاً تمنيته ألا ينتهي ، لكنه انتهى بحادث مروع مفجع .
. رحل الزوج الحبيب بحادث سيارة .. رحل تاركاً حبيبين صغيرين .. ابني حسام وابنتي منال . 
كان يقول لي :
ــ كم أخشى الفراق … لأن السعادة التي نحيا بها جميلة وممتعة .. 
اهتمي بنفسك وبالأطفال أرجوك ! . 
كانت توقعاته صادقة . 
عانقت ثوب زفاف ابنتي ( منال ) وقبلته .. 
ــ كم أتمنى لك السعادة الدائمة يا عزيزتي ، وأن تعيشي مع زوجك مدى الدهر . 
لماذا أنا هذه الليلة قلقة جداً لا أدري . أسئلة كثيرة راودتني … 
بداية ابنتي بحياتها الزوجية تشبه بدايتي ، يا للقدر ! ! .. 
ــ هل ابنتي ستكون سعيدة ؟ لقد اختارت شريك حياتها وأحبته طيلة دراستها الجامعية . لا أدري لماذا أرى الخوف قادماً يترنح نحوي وفوق دروبي . وكآبته تطوق كل أرجائي ، الاختناق يتعمق في صدري وكأنه يمزقني . والأيام قلق دائم ساكن في عينيّ . وأنا في صمتي ووحدتي . ما أشد مرارة فقدان الذين نحبهم . 
دخلت غرفة ( منال ) كانت غارقة في نومها ، قبلتها وخرجت بهدوء : 
ــ منال .. سوف أفتقدك وأشتاق إليك ، أخشى عليك من الغربة ، رغم سعادتي الكبرى وفرحتي بك .. سأبقى أنتظر قدوم أخيك من الجامعة . 
الآن ابنتي ( منال ) عروس وبعد أيام سوف تتخرج في الجامعة طبيبة ويكون عرسها عرسين ، سعادتي لا تقدر بثمن ، بهذا الحدث العظيم . 
لكنها سوف تفارقني مع زوجها خارج الوطن للتخصص . 
أشرق الصباح وأنا ما زلت مستيقظة .. مع ذكرياتي .. وأوهامي .. وخوفي .. 
استيقظت ابنتي وأنا في ذهول مديد .. أحدث نفسي وأعيد الماضي بكل ما فيه من ذكريات حلوة عشتها واحتفظت بها في جعبة الذاكرة . 
خرجت منال من غرفتها ، قبلتني وأحضرت لنا القهوة … 
سألتني : 
ــ أمي .. ماذا بك .. ؟ اراك بقلق .. وحيرة .. وذهول .. ماذا جرى أمي ؟ .. 
أجبتها بابتسامة فاترة :
ــ منال .. قرأت في ملحمة الحب . كيف نزداد حباً وتعلقاً بالذين يغادروننا . 
المسافات ياعزيزتي لا تكسر الحب في حد الغياب . وفي عمق البعد 
حضورك الدائم معي يفرحني ويعانق أيامي الحافية بلا خضرة .. 
المسافات تكبر وتطول ، وأنا مازلت أمضي مع ملامحك بلا مسافة أمضي بلا محطة راحة .. 
اقتربت مني منال ، ابتسمت وهي تقبل يديّ وقالت : 
ــ أي شيء يحدث يكون قضاءً وقدراً من الله تعالى .. ومخاوفك أمي وهم . أعرفك قوية ، تحديت كل الصعاب ، ثم تابعت طريقك الشائك مهندسة ناجحة وقدمت لنا الكثير كي نكون سعداء .. 
هيا ابتسمي أمي … ! فابتسامتك تسعدنا وتفرش طريقنا بكل ما هو جميل ..! 
أمي .. أنت لن تبقي وحدك ، أنا معك ، وإن كنت بعيدة سنتحدث يومياً ونشاهد بعضنا .. أنسيت الهاتف ( الجوال ) . ! ! . 
وأخي معك غداً سوف يأتي لحضور زفافي … 
رن هاتف ( منال ) … وكان المتحدث حسام … 
ــ صباح الخير ! أين أمي … منال لماذا هاتفها مغلق .. عزيزتي أنا قادم اليوم إليكم انتظروني . 
ــ أمي استبشري خيراً ، حسام قادم وأبعدي عنك أوهاماً لا وجود لها إطلاقاً ! . 
رامية الملوحي

المزيد...
آخر الأخبار