استيقظ باكراً . فتح نافذة غرفته ليستقبل شمساً صيفيةً دافئةً . ابتسم وهو يرتدي ثيابه وتمتم :
سويعاتٍ قليلةٍ سوف تصل حبيبتي من رحلتها طيفها لا يفارقني . . سوف ألقاها خطيبتي وحبيبتي . لحظات وألتقي بها .
ـ مشى في الشارع مسرعاً . توقف عند بائع الزهور . نظر للزهور الموجودة أمامه .. زهور.. ورود .. كم هي جميلة هذه الزهور !! .
زهور مختلفة الأشكال والألوان ، لكن حبيبتي أجمل من كل الزهور.
أرى اللون الأبيض يحاورني إنه يرمز للوفاء ، وهذا اللون الأصفر يهمس لي… يذكرني بغيرة المُحب ، والزهر الأحمر أشار إلي : لا تبتعد فأنا الحب كله ..
حملت الزهور ونظرت للشارع مستغرباً !
ـ لماذا أرى الشارع يسبقني إليها ؟ سوف أسرع الخطا . .
ـ دخلت المبنى فرحاً مستبشراً بلقاء حبيبتي ..طرقت الباب طرقاتٍ خفيفةٍ كانت تعرفها خطيبتي.
استقبلتني والدتها مرحبةً…عانقتني وبيدها ظرف أعطتني إياه ، وقالت :
ـ لا تتعب نفسك بالعمل وهذا المبلغ لتتابع دراستك . مستقبلك يا ولدي يهمني .
كانت سخريتها مبطنة ساخرةً أغاظتني .ابتعدت عنها…نظرت إليها وجسدي يرتجف ألماً . . وكأنني تلقيت صعقاً كهربائياً طوقني .
قاطعتها ووقفت أمامها بتحدٍ ، والغضب يفجر كياني :
ـ لا.. أنا لم أشك لك فقراً. ولا عوزاً .. لماذا تصرفت هكذا ؟
أنا لست بحاجةٍ للمال ، وأنا عامل فندقي في الليل وطالب جامعي في النهار . أنا لا أحتاج مساعدةً أبداً لدي ما يكفيني .. تركها و مشى .
هذه المفاجأة من والدتها كانت فوق احتمالي .. لم أكن أتوقعها . حلمت بأن حبيبتي سوف تفتح الباب ، وتعانقني بلهفةٍ و شوقٍ ، و تحتضن يدي والزهور .
اعتصرت الورود بيدٍ مرتجفةٍ و غضبٍ شديدٍ ،وأسرعت بالخروج وصوت أمها الساخر يرن في أذني : ” مستقبلك يهمني من أجل ابنتي ”
ـ عدت مسرعاً إلى حيث إقامتي في غرفتي .. أغلقت الباب ورائي .. جلست على سريري ، وغرقت في عالم الصمت والكبرياء المجروحة . أمسكت الهاتف واتصلت بخطيبتي (منى)
ـ أين منى ؟
ـ رد عليَّ صوت بضحكةٍ ساخرةٍ :
ـ منى نائمة أنا أمها أقول لك بصراحة أنت لا تحب ابنتي…أنت تطمع في ثروتها…لن تراها بعد الآن ، وأغلقت الهاتف بصمتٍ وذهول .
ماذا جرى معي ؟ ما الذي أراه و أسمعه ؟ والدتها تسخر مني .. تعاقبني وتقدم لي هدية مالية . لم تفهم ما أريد ! أريد حبيبتي ( منى ) هي ملهمة أشعاري وأميرة أحلامي .. هي الدنيا كلها .
وفي اليوم التالي الهاتف يرن…صوت منى حبيبتي .
ـ حبيبتي إنها هي .. صوتها يهتف باسمي تناديني :
ـ أحمد ..
ـ تنهدت بارتياح ، وصوتها أراح كل آثار التعب والألم .
ـ تعال إلي أريد أن أراك في المقهى الذي تعودنا الذهاب إليه .. خرجت من منزلي .. أسرعت في مشيتي أتخطى الأرصفة .. ألتقيتها
لم تكن الحبيبة التي أعرفها أبداً قلت لها :
ـ ما بك صامتةً ؟ يطوق وجهك كآبةً مبهمةً ..
ـ لم تجب أبداً ..
ـ مرت فترة ثقيلة من الصمت ، ونظراتي مثبتةً بوجهها .. صوتها كان عميق الأسى ..
ـ قلت لها :
ـ منى .. ما أنت التي عرفتك منذ زمن .. رسالة فرح ومحبة مفتوحة تضم العالم لصدرها ، وتمنحه الدفء والحنان .
ـ أمسكت يدي وهي ترتشف فنجان القهوة بحنان عميق ، وهمست :
ـ أراك متعباً .. هكذا أراك !…
ـ نظرت إليها ونسيت كل شيء إلا رعشة صوتها ، و ظللت صامتاً ولم أقل شيئا لكنها بادرتني:
أعذرني .. رغم كل الظروف الصعبة .. و رغم قرارات الأهل القاسية و الحزن الذي سيطر عليَّ و قصة الحب التي جمعتنا كانت مثيرةٌ وجميلةٌ لن أودعك سوف أبقى بعيدة ٌ عن ضعف اللحظة معك .. لن أودعك .
ـ لم أجبها وحاولت ألا أنظر في وجهها .. تركتها ومشيت….
ـ لم أعد أرى أمامي . أحسست أن وجهي غطاه عالم التناقض و القلق . وشعرت أنني أختنق.
رددت وأنا أمشي مترنحاً بخطواتي .
ـ هل تأخذني ( منى ) إلى امتحان و تجربة ؟ هل هي صادقة أم هذا تخدير لأعصابي بوعد آخر ؟ من يضمن الزمن ومن يلغي الفوارق الطبقية ، وتساءلت :
الشهادة أم الحب الصادق ؟ !الشهادة ورقة مزخرفة .. هل تخلق مني رجلاً مميزاً في المجتمع ؟ الشهادة فقط تجعلني رجلاً يشار إليه بالبنان ، لكن يا أمي لماذا خلقت فقيراً ؟ لماذا يا أبي ؟
سمعت صوتاً ورائي يصرخ ويزمجر بقسوة : كدت أدهسك يا رجل…انتبه هل أنت مجنون ؟
ـ تابعت سيري ولم ألتفت ورائي . وأنا أقول و أؤكد بعد الآن لن أهوى ، ولن أحب مرة أخرى . أسمع ضجيجاً وأصواتاً يتردد صداها في رأسي وصداع لم أقوى على احتماله .. ما هذا الذي أنا فيه ؟ كيف تغيرت الدنيا و الناس ؟ ما هذه التناقضات ؟
أحمل لحبيبتي زهوراً…تحمل لي أمها نقوداً لتسخر مني .
أمنحها حباً…تطالبني بشهادة لتفخر بي
ـ منى .. ! يا وجع النزف في جراحي .. كم تفانيت الصدق حتى بدأت أصدق أوهامي .
ستذبل ( منى ) في ذاتي وقلبي كورقة خريفية .