قراءة في كتاب أوراق من تاريخ حماة .. رامية الملوحي                            

  للباحث الأديب الراحل محمد عدنان قيطاز.       ( 1 – 2 )
عرفت الباحث الأديب الشاعر الراحل ( محمد عدنان قيطاز ) منذ عقد من الزمن  التقيت به في اتحاد الكتاب العرب مرات و مرات .. و في المركز الثقافي في أمسيات كثيرة .. و كان لي شرف كبير بلقاء أديب حماة و شاعرها ( محمد عدنان قيطاز ) في أكثر من محاضرة له أو أمسية شعرية هو رائدها ..
وفي إحدى الأمسيات الشعرية صافحني مودعاً و قال لي : 
– ( أنا أنتظر زيارتك في بيتي .. أنتِ رائدةٌ في القصة و أنا أطرب في لقاء أديبات أمثالك ).
لبيت دعوته و زرته . استقبلني بابتسامته ( الخضراء ) اللطيفة و جلسنا جلسة رائعة أنستني الزمان و أسعدني المكان و كانت أجمل هدايا القدر .
كنت سعيدة جداً لأنني في زيارة عالِم .. بعلمه و بأخلاقه و ثقافته .. و معرفته هو رجل ليس من هذا الزمن ..!.
لقد رأيت منه أكثر مما قرأت عنه . ذاكرة تضم في طياتها كل جميل و موثق عن هذه المدينة بأدبائهاو شعرائها و علمائها و تاريخها المجيد . . 
وعند مغادرتي هذا اللقاء الممتع التقطنا الصور التذكارية لتبقى ذكرى شيخ شعراء حماة و أديبها و ليتحفنا بمؤلفاته بكل ما هو شيق و فريد . ثم قدم لي هدية ثمينة من كنوزه الأدبية . مؤلفات أدبية و تاريخية .
و هذا الكتاب الذي أسلط الضوء على بعض من مؤلفاته بعنوان ( أوراق من تاريخ حماة ) .
البداية .. تصفحت مخطوطه القيم ( أوراق من تاريخ حماة ) لقد طبعه في النصف الثاني من القرن العشرين . . هو مخطوط تاريخي عريق حافل بكل طريف و تليد من أمجاد هذا البلد التي أغفت في يوم سحيق على ضفاف العاصي و استفاقت ذات ربيع عليها مسحة أندلسية .
سأتحدث من خلال هذا البحث في كتاب ( أوراق من تاريخ حماة) عن أشهر ملوكها و نخص بالذكر الملك المؤيد ( أبو الفداء – عماد الدين اسماعيل ) و هو جسر اتصال بين ماض غابر و حاضر زاهر  و لعل ثمرات الفكر و صبوات الشعر أفضل ما يقدمه السلف للخَلَف و أيضاً ندخل مع الأديب ( محمد عدنان قيطاز ) تجارب صحافة حماة خلال خمسين عاما، أما عن المرأة الحموية لابد من الإضاءة على دورها الريادي .
أبو الفداء صاحب حماة  
مؤرخاً .. و شاعراً ( ٦٧٢ – ٧٣٢ هجري ) الموافق  ) ١٢٧٣ – ١٣٣٢ ميلادي ) 
لنقلب معاً صفحات ملف ( أبي الفداء ) صاحب حماة. و نقرأ ما كتب باحث حماة و أديبها الموقرّ الراحل ( محمد عدنان قيطاز ) :
– هو عماد الدين اسماعيل بن الأفضل . علي بن المظفر الثاني . محمود بن منصور الأول . محمد بن تقي الدين عمر رأس الأسرة الأيوبية في حماة . و لد في دمشق سنة ( ٦٧٢ هجري ) و نشأ في حماة و تلقى عن أشياخها المعارف العقلية و النقلية. 
كان أبو الفداء ( عماد الدين اسماعيل مؤرخاً و شاعراً
محباً لأهل العلم و الأدب . و قد أجمع أصحاب التراجم على رجاحة عقله و سماحة نفسه في كثير من العلوم . و أنه ليس بين الملوك بعد المأمون أفضل منه . 
كان قصره محط رجالات العلم و الأدب من كل فن ، حتى أصبحت حماة في عهده مركزاً من مراكز الاستنارة في بلاد الشام على غرار ما كانت عليه أيام المنصور الأول .. و لا غرو في ذلك فقد ترك لنا ابن نباتة المصري و صفي الدين الحلي من الشعر قصائد كثيرة نتحدث عن علمه و حلمه و شجاعته و عفته و نزاهته من التواضع و العدل ، و حب البناء و ما بقي من آثاره العلمية و العمرانية هو خير شاهد و أعز دليل على اقتداره و جلال قدره . 
و لعل تاريخ المختصر في أخبار البشر ، و كتاب تقويم البلدان من أعظم آثاره 
و أكرم أخباره و كلاهما مطبوع و مشهور . كما قامت جامعة قطر بطباعة ( الكُنّاش ) في الصرف و النحو . سنة 1993 ) إضافة إلى كتاب الموازين و نوادر العلوم
و مخطوطه في الأخلاق و الزهد و الأدب و قصائد و موشحات و له مقتطفات شعرية متفرقة في كتب الأدب لا تزيد عن ثلاثين بيتاً معظمها في الغزل أو الوصف ،وله أيضاً في التاريخ كتابات غير مطبوعة و هما : مختصر اللطائف السنية في التواريخ الإسلامية و التبر المسبوك في تواريخ الملوك . 
أما الشعر إن أبا الفداء لم يكن شاعراً مطبوعاً غير أنه كان يقول الشعر تسلية 
و تحلية . و يشير أصحاب التراجم أن أبا الفداء كان يقول الشعر على عادة أسلافه ملوك الأيوبيين . الذين كانوا يحبون نظم الشعر و لكن أبا الفداء لم يشتهر لأنه كان مُقِلاً
كانت مجالس أبي الفداء مجالس أدبية و علمية يرتادها الأدباء و الشعراء و العلماء . لعل أبا الفداء كان يستدعيهم بإحسانه و هذا ما جعل ( ابن تبانة المصري ) ..و ( صفي الدين الحلي ) 
لا يبرحان دياره إلا قليلاً و خاصة ( ابن نباتة المصري ) و هنا أذكر بعضا من شعر أبي الفداء و قد ترك نفسه على سجيتها في إرسال الشعر من غير تكلف فأتى نظمه مطبوعاً سائغاً رائقاً قال :

أقرأ على طيب الحياة …. سلامُ حب ذاب حزنا
و أعلم بذاك أحبه …. بخل الزمان وضنا
لو كان يشرى قربهم …. بالمال و الأرواح جُدنا 
متجرع كأس الفرا …. ق يبيت للأشجان رهنا 
صب قضى وجداً و لم …. يقض له ما قد تمنى 
الكُنّاش : أدى أبو الفداء صاحب ( الكناش ) قد استخدم هذا اللفظ لأنه قصد به ضبط الفرائد من علوم مختلفة و جعلها كتاب ضخم على سبعة كتب الأول في النحو
و الصرف ، و الثاني كتاب الفقه و الثالث كتاب في الطب ، و الرابع كتاب في التاريخ
و الخامس كتاب في الأخلاق و الزهد ، و السادس كتاب في الأشعار ، و السابع كتاب في فنون مختلفة .
و الكُنّاش . بضم الكاف و تشديد النون لفظ سرياني على حد تعبير الخفاجي صاحب كتاب شفاء الغليل . معناه المجموعة أو التذكرة . 
أبي الفداء . صاحب حماة ..
كانت حماة ماثلة أمام أبو الفداء و هذا ما جاء في كتابه المختصر فأورد ما كان متعلقاً بها و بأعلامها حتى نهاية سنة ( 729 ) هجري . 
أبو الفداء .. كان شخصه المثير موضع الشعراء و موضع إعجابهم و إعجازهم . 
تجديد مرقد أبي الفداء ..  
تأسس النادي الأدبي في حماة عام / 1924 / و أسندت رئاسته إلى الدكتور ( توفيق الجيجكلي ) منذ تأسيسه إلى يوم إغلاقه أعقاب الثورة السورية الكبرى عام / 1925 / وقد جاء في نظامه الداخلي . إن حق الانتساب مفتوح امام كل عربي و قد تمكن النادي إبان فترة وجوده القصيرة من إنشاء مكتبة ضخمة و إحياء ذكرى الشهداء لأول مرة في تاريخ حماة . و تجديد مرقد الملك العالم ( عماد الدين أبي الفداء ) . 
كما قام بالمراسلات العلمية و الأدبية مع المجمع العلمي العربي بدمشق و المؤتمر الجغرافي الدولي بالقاهرة ، و كان العلامة المؤرخ ( أحمد زكي باشا ) عضوا شرفا ممثلاً للنادي الأدبي في المؤتمر / 1934 / و مجموعة ثابت من مصر . 
ومن مآثر هذا العلامة المصري أنه أعان النادي الأدبي بمبلغ من المال لتجديد مرقد أبي الفداء صاحب حماة ، و قد سجل له أهالي حماة هذه المأثرة الكريمة فنقشت على حجر في جدار قبة الضريح اعترافاً بجميله و تخليداً لذكراه و بذلك يكون تجديد المرقد عملاً عربياً سورياً مصرياً لقد كان أهم حدث في تاريخ المدينة منذ تجديد مسجد ( أبي الفداء ) و مرقده عام / 1925 / فقد أعاد إلى الأذهان صورة مشرقة من ماضي حماة التليد إبان العهد الأيوبي.
يختتم هذا الباحث كتابه ( أوراق من تاريخ حماة ) بأسطر قليلة يقول الأديب : تلك نبذة من أدبيات حماة ، و الحافظ الذاكرة سوف يروي أشباهاً لها و نظائر و ربما يجد فيها ما وجدت من متعة الأدب و لذة العلم . و جمال البيان الفني الأصيل . و حماة غنية بأعلامها و شعرائها . و قد أثروا الحركة الأدبية عبر تاريخها الطويل .. و ما يزالون حتى وقتنا هذا .  
إعداد : رامية الملوحي .       يتبع ..

المزيد...
آخر الأخبار