كتبنا كما كتب غيرُنا الكثيرَ الكثيرَ عن الموت وفي الموت وما فعل أو خلّف خلفه من قهر وغصات ودموع وبكاء وعويل ..ُطرحتِ الأسئلةُ الكبرى في ماهية الموت ولكنّها بقيت معلقةً بلا إجابات ثمةَ من حاولَ واشتغل على فك بعض اشاراته ولكن وجد نفسه يدور في حلقة فارغة ويقع مغشيّاً عليه ..ليبقى الموتُ هو الحقيقةَ المطلقةَ التي طالت وستطال كلَّ حيّ ..
كلّ هذا يطرح قُبالتَنا ..أمامَنا على مائدة نهاراتِنا كلما فقدنا عزيزاً ..
فقيدُنا من درجة الشموس وبرتبة قمر
..شاعرٌ ..قائدٌ ..أخٌ ..صديقٌ ..فارسٌ ..رجلٌ .. إنسانٌ ..الخ من مفردات جادت بها العربيةُ لتصف الإنسانَ الكاملَ والكمالُ لله تعالى إنّه صديقي وأخي ورفيقَ دروب السفر والأسرارِ والشعرِ والشغبِ الحنون محمد حسن العلي (أبو حسان ) رحم الله العلي القدير روحك يا أخي وأسكنها فسيح جنانه
ما لذي يمكن أن أقولَه في هذا الرجل ؟؟ما لصفات ما الخصالُ التي من الممكن أن أعدّدَها وهي الكثيرةُ الكثيرةُ ..
لن أتحدثَ عن شعره الخاصّ بالكبار وبالأطفال ودواوينِهِ وعلاقاتِه مع رموزِ الشعرِ في تلك الأيامِ ..ولا عن ثقافتِه الموسوعية في مختلف أنواع الفنون ..الخ
ولكن من الممكن أن أذكُرَ ومن خلال رفقتي له و لسنوات أهمُّها :
هو شاعرٌ محبٌّ لجميع الشعراء والمثقفين ولا خلافاتٍ شخصيةً له مع أحد
وكان مهنيّاً جدّاً في عمله الثقافي كعضوِ لجنةِ تزكية وعضوٍ محكّمٍ و قارئٍ وعضوِ هيئةِ تحريرٍ ..الخ
رجلٌ مثقفُ بحق ينتصرُ للقضايا الثقافيّة وللمثقفين ولو كلّفه ذلك الوقوفُ في وجه أي الجهاتِ والدفاعِ عنهم ..يخدم الجميع دون استثناء وهو صاحب اليدِ البيضاءِ الطولى في هذا بحكم رِتبته وعمله الذي فتح له جلَّ النوافذِ والأبوابِ بوجه من يحبُّ ويقدّرُ فخدم كلَّ صاحبِ حاجةٍ منّا جميعاً ومن دونَ تأفُّفٍ بل على العكس كان يُشعِرُنا بأننا من تفضَّل عليه وطلبَ إليه أن يخدِمَنا وهذه ثقافةُ الكبارِ الكبارِ .
من خلال رفقتي له إلى غير محافظة بانت شخصيةُ ( أبو حسان ) غيرَ التي ألفناها على منابرِنا الثقافيّةِ ..بانت شخصيتُه الاجتماعيةً وذاكَ الرصيدُ الكبيرُ الكبيرُ له بين الناس وبا لأخص في المناطق التي خدم بها كمدير ناحية أو منطقة أو ايِّ مركز قياديٍّ شرطيٍّ فكان ذائع الصيت بمحبته للناس وخدمتِه لهم فكانوا يجتمعون ويلتفّون حولَّه وهو بكامل فرحته ومحبّته لهم وكأنَّهم أهلُه وأخوتُه ..جَمَعَنا مع شخصياتٍ اجتماعيةٍ سوريةٍ لها الحضورُ الكبيرُ في مجتمعنا وكان على تواصل معها في ذُروة الحرب التي ُشُنت على سوريتنا فكان على تواصل دائم معها للمساعدة والمساهمة في ترتيب البيت الداخليّ الوطنيّ السوريّ
وعلى صعيد آخرَ رأيت ما رأيت من حضور له بين مرؤوسيه بعد تسريحه فما كنّا ندخلُ مدينةً أو محافظةً إلا والقياداتُ الشرطيةُ كاملةً تكون في استقباله كما في وداعه (حلب – ادلب – حماة – طرطوس ) وهذا إن دلَّ على شيء فيدلُّ على نُبلهِ وسموِّ أخلاقهِ وكرمهِ
(أبو حسان ) الشاعرُ محمد حسن العلي كان طفلا حقيقيّاً لا بل جوقة أطفال في آن معا ..يضحكُ كطفلٍ ويفرحُ كطفل ويحبًّ كطفل ..وفيٌّ نبيلٌ أصيلٌ شهمٌ ..ترافقنا إلى حلبَ للمشاركة في مهرجانِ سليمان العيسى ولدورتين متتاليتين بدعوة من مديرية الثقافة في حلب وجمعية اللغة العربية وحدَّثنا مطولاً عن علاقته بالشاعر سليمان العيسى وبزوجته الدكتورة ملك أبيض ..وحين مشاركتنا معاً في حماة في مهرجان الدكتور وجيه البارودي حدثنا عن علاقته أيضا مع الشاعر وجيه البارودي وزياراتِه له ..
حدّثنا وحدّثنا بكثير من البراءة والعفوية والنقاء التي ألفناها
كم خسارتُنا كبيرةٌ بك يا أخي ..وكم تركت من فراغاتٍ كبيرةٍ لا يمكنُ أن يملأها إلا صوتُك وضحكتُك وحضورُك البهي ..خسارتي كبيرةٌ بك على الصعيد الشخصي ..كم من الأماكن والشوارع والمفارق والقصائد والمدن والحارات ستسألُني عنك ..
أخي أبا حسان قد لا أذيعُ سرّا إن قلتً لك إن عددَ الصورَ التي في جهاز الخليوي الخاص بي والتي تجمعُنا تساوي أكثرَ من نصف الصّور التي فيه عموما
أخي أبا حسان ما الذي يمكن أن أقولَهُ لك ..حماةُ بكلِّ شوارعِها وأدبائها ..حلب التي لم أزرْها في السنواتِ الخمسِ الأخيرةِ إلا برفقتك ..منابرُها الثقافيةُ ..أدباؤها والحضورُ الحضور سيسألُني عنك ..حمص ..اللاذقية ..جبلة ..مصياف ..قريتي ..بيتي المتواضعُ الذي زرتني به غير مرّة بصحبة أصدقاءَ لك وأقاربُ..سيفتقدونك وسيسألون عنك
أمّا دمشق ..فكم مضينا من الوقت معا في شوارعها ومراكزها الثقافية وفي مبنى اتحادنا اتحاد الكتاب العرب ..
أخي (أبو حسان ) في أوّل أمس رثينا وأبّنا معاً صديقَنا الباحث أكرم الشلّي رحمه الله ..وبالأمس رثينا وأبّنا معا أيضا صديقَنا الشاعر حسّان يوسف رحمه الله ..وكم حدّثْتني مطولاً وبكثير من الحرقة والألم عن وفاة صديقنا الغالي ناظم مهنا رحمه الله..
وحين مَرِضْت أنت يا صديقي كنتُ أهاتفُك وتعدُني غيرَ مرّةٍ أنكَ ستكونً بخيرٍ وستزورُني وسنترافق كما كنا إلى حلبً واللاذقيةِ ..وكنتُ أثقُ بكَ ..بكلامكَ ووعدكَ لي
واليومَ لا أعلمُ أ أكتبُ لك وعنكَ وأَرثيك أم أرثي نفسي ؟؟
سلامُ الشّعرِ عليكَ ..سلامُ أطفالِ العالمِ ..سلامُ الينابيعِ الشلالاتِ الهادرةِ في يومنا هذا
سلامُ الغمامِ اليمام الحمام .. سلامُ السلامِ عليك وأنتَ تبسمُ لنا في عُلاك وتنثرُ ضحكاتِكَ قصائدَ وجدٍ وهُيامٍ لنا لأمِّنا الأرض.
عباس حيروقة