يحتفل العالم من خلال مؤسساته الثقافية والتربوية والإعلامية في الثالث والعشرين من نيسان من كل عام باليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف ، والذي اختارته منظمة( اليونسكو) المنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم التابعة للأمم المتحدة يوماً لتنشيط الاهتمام بالكتاب وتوسيع دائرته، وتشجيع العاملين في مجال الكتاب من مؤلفين ودور وطباعة ومؤسسات توزيع على نشره بشتى الطرق حتى تعم الفائدة على الجميع.
لم يدع الأدباء والشعراء مناسبةً إلا وتغنوا به، تغنّوا بأهميته في نشر الثقافة والمعرفة، ودوره في الارتقاء بالذائقة الفنية لدى المتلقي، أضف إلى جمعه للتراث والفكر لأي أمة من الأمم … إنّه الكتاب الذي لعب َويلعب ُدوراً جُد هام في تطور المعرفة وانتشار الثقافة بين مختلف الشعوب وصولاً إلى حوار الحضارات والبناء عليها إنسانياً ومعرفيّاً … لقد قيل الكثير عن الكتاب ومكانته وأهميته بين طبقات المثقفين والمتعلمين ،فمن منا لا يتذكر بيت الشعر الأكثر شهرة للمتنبي : (أعز ُ مكان ٍ في الدُّنى سرجُ سابح ٍ وخير ُ جليس ٍ في الأنام ِ كتاب ُ ) وقول الشاعر : (أنا من بدّل بالكتب ِ الصحابا لم أجد لي وافياً إلا الكتابا ) فالكتاب خير جليس، وخير أنيس وخير صاحب، وخير ُرفيق، في صحبته متعة، وفي رفقته فائدة، ولعل دوره لا يتوقف عند جانب محدد، بل يمتاز بالإحاطة والشمولية …
في السنوات الأخيرة ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي تراجعت مكانة الكتاب، وتراجع انتشاره وخاصة بين فئات اليافعين والشباب ليتصدر المشهد (الخليوي )الذي أصبح الشغل الشاغل لدى عامة الناس، وحديث الصغار والكبار، وليسحب البساط تدريجياً من تحت قدمي الكتاب الورقي الذي تراجع انتشاره وطباعته وتوزيعه ،وحلّ مكانه الكتاب الإلكتروني والذي يمكن تصفحه عبر الشابكة وبسرعة متناهية ..!؟ اليوم وفي ظل هكذا ظروف ماديّة وحياتية لا بد من إطلاق حملات من جهات حكومية وشعبية، لإعادة هيبة الكتاب ومكانته والعودة به إلى الواجهة من اهتمامات القراء، وهذا ما اصطلح على تسميته (الكتاب الشعبي ) وتوفيره بأعداد كبيرة وبأسعار رمزية إن لم نقل مجانية .. ولعل تجارب بعض المجلات الأدبية، والصحف المحلية – عندما كانت تصدر ورقياً – بإصدار كتب أوكتيبات مجانية شهرياً، تعدّ من التجارب الرائدة والناجحة في هذا السياق .. ولا بد أن نشيد بتجربة مجلة الموقف الأدبي الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب وكتاب الجيب الشهري، والذي تطرّق للعديد من العناوين الفكريّة و الثقافية والمعرفية والأعلام وغيرها من مواضيع …كذلك تجربة صحيفة (تشرين ،الثورة ،البعث ) مع مجموعة من الصحف العربية و(كتاب في جريدة )وكذلك مجلة أسامة وكتيباتها الشهرية المجانية، وغيرها من تجارب إيجابية تستحق التشجيع والأخذ بيدها لنشر المعرفة والمعلومة الموثّقة والموثوقة، وهذا ما نأمله في كل الأوقات.
في اليوم العالمي للكتاب ثمّة عمل ينتظر المهتمين بالشأن الثقافي وبالكِتاب تحديداً لزيادة مساحات الاهتمام به شكلاً ومضموناً وتقديم التسهيلات الضرورية لنشره وجعله في متناول الجميع وخاصة جيل الشباب والناشئة ودعم المنشورات الموجهة إليهم من حيث الكتابة والطباعة والنشر.
ثمّة عمل تم ضمن هذا السياق للنهوض بواقع الكِتاب تأليفاً وطباعة وتوزيعاً، هي خطوات تسعى جميعها إلى جعل الكتاب بين أيدي القراء بأبسط الوسائل وبشكل مجاني، لكن هذه المحاولات تحتاج إلى دعم أكبر من قبل هيئات ومؤسسات ثقافية وتربوية وإعلامية …
إنّ واقع الكتاب الآن لا يلبي الطموح، ويحتاج إلى اهتمام أكبر من حيث زيادة أعداده وتشجيع العاملين فيه وتحفيزهم مادياً ومعنوياً، وتوسيع قاعدة انتشاره وخاصة بين الشباب وضمان وصوله إلى المناطق والأرياف البعيدة بأسعار زهيدة وبأيسر السبل وذلك من خلال المراكز والمحطات الثقافية، وإقامة معارض الكتب الثابتة والمتنقلة ودعم المكتبات المدرسية والجامعية بالإصدارات الجديدة، ولا بد أن نشيد هنا بتجربة المعارض التي يقيمها اتحاد الكتاب العرب، والمعارض المشتركة بين الاتحاد والجامعات الحكومية وتخفيض أسعار الكتب بما يمكّن الطلبة والمهتمين من اقتناء العديد من العناوين التي تلبي رغباتهم وتدفعهم للمزيد من القراءة والبحث … يظل الكتاب الشعبي الفرصة المناسبة التي يمكن من خلالها طرح عناوين جديدة تتناسب مع تطلعات واهتمامات القراء على اختلاف أعمارهم وميولهم وتطلعاتهم، وضمان وصول الكتاب إلى أوسع شرائح المجتمع، وتشجيع القراءة وتحفيز المتميزين من خلال تنظيم مسابقات خاصة بهذا الشأن، ومنح الفائزين جوائز عينية ونقدية مجزية، وتشجيع الأدباء على التأليف والنشر وزيادة الحوافز المادية والمعنوية.
*حبيب الإبراهيم